وبتُّ بالجزع في آثارهم جَزِعاً ... إن جُرِّدَ البرقُ إيماضاً على البُرَق
في نارِ وجديَ معنىً من تلهبه ... وفي فؤاديَ ما فيه من الوَلَق
وله من قصيدة في مدح وزير صاحب صقلية:
جرت خيلُ النسيمِ على الغديرِ ... ورُدَّت تحت قسطلة العَبيرِ
وعبَّ الصبحُ في كأس الثريا ... وكان براحةِ القمرِ المنير
وقام على جبين الشمس يهفو ... كما يهفو اللواءُ على أمير
ودارَ بهِ على يده فكانت ... كطَوْق الجام في كفِّ المدير
ومَجَّتْ في زجاج الماء لوناً ... هيَ انتزعته من حَلَب العصير
فقمنا نستقيم إلى قلوبٍ ... تناجَتْ تحت أستار الصدور
نُحَقِّقُ بالمنى عِدَةَ الأماني ... ونملأُ بالرضى حُبُّ السرور
إلى أن غادَرَتنا الكأسُ صرعى ... نفرُّ من الكبير إلى الصغير
ومنها:
وجرَّدنا المدائح فاستقرتْ ... على أوصاف جُرْدَنَّا الوزيرِ
فنظَّمْنا المفاخرَ كاللآلي ... وحلَّينا المعاليَ كالنحور
وقمنا في سماءِ العز نرعى ... جبين الشمس في اليوم المطير
وأعجبُ ما جرى أنَّا أَمِنَّا ... ونحن بجانب الليثِ الهَصُور
وأَرسلنا من الأقداح ريحاً ... نهزُّ بها المعاطفَ من ثَبِير
وقلدناهُ دُرّاً جاء منه ... كذاك الدُّرُّ جاء من البحور
ومنها:
لهيبُ صواعقِ العَزَماتِ منه ... يكادُ يذيبُ أفئدةَ الصخور
وماءُ مكارم الأخلاقِ منه ... يكادُ يردُّ صاعدةَ الزفير
وأغراسُ الأماني في يديهِ ... تهزُّ معاطفَ الدَّوْحِ النضير
الشيخ أبو الحسن علي بن أبي الفتح
بن خلف الأموي
لا شك أنه من ساكني صقلية فإن ابن قلاقس أورده في الزهر الباسم، وقال: هو حدقة العلم الناظرة، وحديقة الأدب الناضرة. وإنما ذكرته أنا في أهل مصر حيث اقتضاه هذا الموضع للمكاتبات التي جرت بينه وبين ابن قلاقس. قال: كتب لي أبو الحسن علي بن خلف الأموي رقعة أنفذها لما أردت الرحيل عن صقلية:
يا ماجداً طَبْعُه أَحلى من الماذِي ... ومن يفوقُ ذكاءً أهلَ بغداذ
وَهِمْتُ في رُقْعَةٍ سيَّرْتُها عجِلاً ... إليك ما بين تلميذٍ وأُستاذ
فابسُطْ ليَ العُذْرَ واعلم أنني قَلِقٌ ... ذو خاطرٍ لنواكم آلِمٌ هاذي
قال: فأجبت، ولو أطعت الخجل لاحتجبت:
هذي المحاسنُ قد أُوتيتَها هذي ... فكلُّ شخصٍ تعاطى شأوَها هاذي
أقسمتُ بالنحل إنَّ النحل قائلةٌ ... ما ذي الحلاوةُ مما يُحْسِنُ الماذي
أنفذتَ شعراً فأنفَدْتَ القوى فجرى ... شكوٌ وشكرٌ لإنفادٍ وإنفاذ
وقمتَ لي من جفاءٍ من صَقَلِّيَةٍ ... بلطفِ مصرَ عليهِ ظَرْفُ بَغداذ
إن كان طبعُك من ماءٍ ورقَّته ... فإن ذاك فِرِنْدٌ بينَ فُولاذِ
وما وهمتُ وفي التلميذ معرفتي ... حقّاً لأنك معروفٌ بأُستاذي
الله يعلمُ لولا أنتَ ما جُعِلَتْ ... يدي على كبدٍ للبين أَفلاذِ
قال: وفاض بحر آدابه فيضاًن فكتب إلي أيضاً:
أيا شمسَ الجلالِ على اقتصادِ ... ويا بدر الكمال لدى اتِّقادِ
ويا من بذَّ في الأشعار مَن قد ... أَبادَ الدهرُ مِن أزمانِ عادِ
لقد أصبحتَ لي خلاً صَفِيّاً ... وحبُّك قد تمكَّن في فؤادي
ومنها:
يعزُّ عليّ أن تنأَى وأَبقى ... فريداً مستهاماً للبعاد
وإن حكَمَتْ بفرقتنا الليالي ... وقِدْماً فرَّقضتْ أهلَ الوداد
فودِّي ثابتٌ أبداً مقيمٌ ... على مرّ الليالي في ازدياد
ولولا طِيرَةٌ للبين تُخْشَى ... لبستُ لذاك أثوابَ الحداد
قال: فأجبت، وليتني أنجبت: