للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَطِّلْ كُؤوسَك إلاّ الكبير ... تجِدْ للصغير أُناساً صِغارا

فقال:

وسَقِّ النديمَ عَقيقِيَّةً ... تضيءُ فتحسب في الكأس نارا

تدور المَسرَّةُ معْ كاسِها ... وتتبعُه حيث ما الكاس دارا

ولا عيبَ فيها سِوى أَنَّها ... متى عَرَّسَتْ بحمى الهمِّ سارا

ستَلقى ليالي الهمومِ الطوالَ ... فبادر ليالي السرور القصارا

ولده ضياء الدين أَبو الفضائل

القاسم بن يحيى بن عبد الله الشهرزوري

مُخمَّر الطِّينة بالكرَم المَحض، مجبول الفطرة بالشَّرف الغَضّ، مقبول الخَلْق، مَعسول الخُلُق، أبو الفضائل وابن بَجدتها، وغيث الفواضل ولَيْث نجدتها، متودِّد بظرافته، متوحِّد في حصافته، شيمته عالية، وقيمته غالية، ودِيمته هامِية، وعزيمته ماضية، كثير الأنس، كبير النفس، يُبدي النَّفاسة، ويهوى الرِّئاسَة، لا يحبّ الدّينار إلاّ مَبذولاً لعافيَة، ولا يريد الثراء إلاّ لإغناء راجيه، قصد الملك الناصر صلاح الدين بمصر فنجح قصدُه، وتوفّر وُجدُه، ووصل إلى الشام معه، فأكبرَ محلَّه ورفعه، فمِمّا أَنشدنيه من شعره في ذي الحجّة سنة سبعين بدمشق:

في كلِّ يومٍ تُرى للبَيْنِ آثارُ ... وما له في التئام الشَّملِ إيثارُ

يسطو علينا بتفريقٍ فواعجبا ... هل كان للبَينِ فيما بيننا ثارُ

يَهُزُّني أَبداً من بعدِ بُعدِهمُ ... إلى لقائهمُ وَجْدٌ وتذكارُ

ما ضرَّهم في الهوى لو واصلوا دَنِفاً ... وما عليهم من الأوزار لو زاروا

يا نازلينَ حِمى قلبي وإن بَعُدوا ... ومُنصفينَ وإن صَدّوا وإن جاروا

ما في فؤادي سواكم فاعطِفوا وصِلوا ... وما لكم فيه إلاّ حبّكم جارُ

الشيخ أبو علي الحسن بن عمّار

الموصلي الواعظ

له:

أَتُراهُمْ عَلِموا ... ما بقلبي منهُمُ

ما هُمُ سكّانُهُ ... كيف يخفى عنهُمُ

بالتَّنائي والقِلى ... قتلوني، سَلِموا

إنَّ عيشي بعدهمْ ... لَمَريرٌ علقَمُ

ما لِعُذَّالي ولي ... شَفَّني عَذْلُهمُ

أسرفوا في عذَلي ... قُلِّدوا بغيَهُمُ

كان دمعي خالصاً ... مثلَ ودّي لهُمُ

قَرحَ الجَفْنُ فقد ... مازجَ الدَّمعَ دَمُ

التَّوى بعدَ النَّوى ... فُرصةٌ تُغتَنَمُ

وإذا المُضْنى قضى ... زال عنه الألمُ

الفقيه الظَّهير

خطيب السَّلاّمِية من أهل المَوصل

شابٌّ فاضل، له فضائل، سمعت بعض أصدقائي بالموصل أنه لما سمع قصيدتي التي أوَّلها:

سل سيفَ ناظرِه لماذا سلَّهُ ... وعلى دمي لِمَ دلَّه قَدٌُّ لهُ

نظم قصيدة على وزنها ورويّها منها:

سَلِّمْ على الرَّشأِ الذي سالمتُهُ ... فأَباحَ قتلي مُخفِراً وأَحلَّه

ونفى الكَرى عن ناظري وهو الذي ... آواهُ بين جوانحي وأَحلَّه

قاسي الفؤاد يمَلُّني تيهاً فما ... أقسى عليَّ فؤادَهُ وأَملَّهُ

وأَحَمَّ بالعَقِداتِ مِنْ رملِ الحِمى ... واصلْتُ سُقمي مُذْ حماني وصلَهُ

مُتملمِلاً يقضي الزّمان تعلُّلاً ... بعسى وسوف ولَيته ولَعلَّه

ما ضرَّه لو علَّ صَباً مُشفِياً ... من ريقه فشفاهُ وهو أعلَّهُ

وله:

أقول له صِلْني فيصرفُ وجهَهُ ... كأَنِّيَ أَدعوه لفِعْلٍ مُحرَّم

فإنْ كان خوفَ الإثم يكره وُصلَتي ... فمن أعظَم الآثام قَتلةُ مُسلِمِ

أبو محمد الأعلَم

ذكره لي الأمير مؤيد الدولة أسامة بن منقذ، قال: لمّا كنت بالموصل كان صديقي، وأنشدني يوماً لنفسه في محبوبٍ ماطلَه الدَّهرُ بوصاله، فلما سمح به أخذ في ارتحاله:

وما زالت الأيّامُ تُوعِدني المُنى ... بوَصلِك حتى أَظْمأَتْني وُعودُها

<<  <  ج: ص:  >  >>