وقال سمعت أبا الرضا محمد بن محمود بن علي الطرازي قال: وهذه قصيدة طويلة كتبت منها هذا القدر.
أقول هذا شعر يثبت على محك النقد وعيار السبك، لا كشعر يبهرجه محك المحق بعد الانتقاد باللجاج والمحك، أرق من النسيم، وأذكى من العبير، وأطيب من المسك، ولا عجب أن تفيد تربة النبي، الذي كان أفصح العرب والعجم صلوات الله عليه وسلامه، خادمها الأسود نظم الكلم، فكافور نظمه في الطيب كافور، ولفظه لقلوب المعاني تامور، وقد استغنى بحلية الفضل عن اللحية، فإن الفضل للرجال أحسن حلية، وسواده مع العلم أحسن من البياض مع الجهل، سارت شوارده في الحزن والسهل، ونقلتها رواة الحضر إلى حداة البدو، ولحنتها القيان بأغاريدها في الشدو، وما نقل إلي من نظمه غير أثبته، وإذا أنشدت غيره له كتبته، إن شاء الله تعالى.
الشريف علي بن عيسى السليماني المعروف ب
ابن وهاس
من أهل مكة وشرفائها وأمرائها، من بني سليمان من بني حسن، وكا ذا فضل غزير وله تصانيف مفيدة، وقريحته في النظم والنثر مجيدة، قرأ على الزمخشري بمكة وبرز عليه، وصرفت أعنة طلبة العلم بمكة إليه، وتوفي في أول ولاية الأمير عيسى بن فليتة أمير مكة في سنة ست وخمسين وكان الناس يقولون ما جمع الله لنا بين ولاية عيسى، وبقاء علي بن عيسى.
أنشدني له من قطعة:
أَهلاً بها من بَنات فِكْرٍ ... إِلى أَبي عُذْرِهِنَّ صَادِ
وله في مرثية الأمير قاسم جد الأمير عيسى:
يا حادِيَ الْعيس عَلَى بُعْدِها ... وَخّادةً تَسْحَبُ فَضْلَ النِّعالْ
رَفِّهْ عليهِنَّ فلا قاسِمٌ ... لها عَلى الأَيْنِ وفَرْطِ الكَلالْ
غاضَ النمّيرُ العَذْبُ يا وارِداً ... وحال عن عَهْدك ذاك الزُّلالْ
إِنْ يَمْضِ لا يَمْضِ بَطيءَ القِرى ... أَو يُودِ لا يُودِ ذَميمَ الفِعالْ
الأمير دهمش بن وهاس
الحسني السليماني
أنشدني لنفسه في الأمير مالك بن فليتة، وقد وفد إلى الشام سنة سبع وستين، ومات في الطريق بوادي الغضا ودفن بالأجولية، من مرثية فيه أولها:
مُميعُ دُموعي الجْامِداتِ الصّلائِبِ ... مُصابُ فَتىً آهاً لهُ في المَصائِبِ
فأَوْرثَ قَلْبي حَرَّ نارٍ كأَنّما ... لَظَا الجْمرِ ما بَيْنَ الحشَا والتّرائب
كأَنَّ جُفوني يَوْمَ وارَيْتُ شَخْصَه ... شآبيبُ مُزْنٍ من ثِقال السَّحائبِ
تَعجَّبَ صَحْبي كيف لم تَجْرِ مُقْلتي ... مع الدِّمْع واُعتدّوا بها في الْعَجَائب
ولم يَعْلَموا أَنَّ المَدامعَ أَصلُها ... من الْقَلْب لا من مُقْلَةٍ ذاتِ حاجِب
بِنَفْسيَ مَنْ بالأَجْوَلِيّةِ قَبْرُه ... تَمرُّ به ريحُ الصَّبا والجَنائب
مُعَطَّلَة أَكنافُه عن زِيارةٍ ... بعيد مدىً عن حُسَّرٍ ونَوادِب
إذا ذَكَرَتْه النَّفْسُ كادَتْ بذكْره ... تَفِيضُ عَلى ماءِ الْجُفون السَّواكب
أَعاذِلَتي كُفّي عن اللَّوْمِ في البُكا ... فلستُ بباكٍ غَيرَ خِلٍّ وصاحب
ذَريني أُبكّي سَيِّداً لوْ وَزَنْتُه ... بكلِّ كريمٍ لا رْجَحَنَّ بِجانِب
فما بَكَتِ الباكونَ مِثْلَك مالِكاً ... ولا خُمشِّتْ فيه خُدودُ الْكَواعِبِ
فَمَنْ لِجِيادِ الْخَيْلِ والْبِيضِ والقَنا ... إِذا دَلَفَتْ تَبْغي قِراعَ الكَتائِب
ومَنْ لِلْيتامىوالأرامِلِ أَقْفَرَتْ ... معالِمُهمْ مِنْ بِرِّه المُتعاقِب
ومن لِغِراثٍ مُرْمِلين تطاوَحَتْ ... بهم يَعْمَلاتٌ من طِلاحِ النَّجائِب
ومَنْ ذا يُجيرُ الْجارَ أَوْ يَكشِفُ الأَذى ... عن القوم في عُلْيا لُؤَيِّ بن غالِب
فُجِعْتُ به دونَ البريَّة واحداً ... فما مِثْلُه في شَرْقها والْمَغارِب
فأُقْسِم بالبيْتِ الْعَتِيق ومَن سعى ... بمَكَّة سَعيْاً بين ماشٍ وراكب