لَمَا وَجْدُ أُمِّ الذَّرْع قَدْ خَنَسَتْ له ... بزَيْزاءَ مَرْتٍ في السنِّينَ اللَّوازِب
رَمى صِيرَها شَيْمُ الْبُروق وغُودِرَتْ ... على طِفْلها تقَفْو به إِثْر ذاهِب
غَدَتْ تَرْتعي فَضْل اليَبيسَيْن وانْثَنَتْ ... فَلَمْ تَلْقَ منه غَيْرَ مُلقى العَراقِب
وَوَلَّتْ وقد أَودى بها فَقْدُ ذَرْعها ... يُقَطِّعُ من أَوْصالها كلَّ صالب
ولا وَجْدُ رَبْدا ذاتِ وَحْيٍ خَلَتْ به ... عَنِ الهَيْق في أَعلا عياس السَّباسِب
نَأَتْ تَفْتَلي زَهْرَ الرِّياضِ وغادَرَتْ ... دَفِينَتَها بينَ الرُّبى فالْجَوانبِ
فهذَّلت الْوَطْفا هذا لَيل فانتحت ... إِليه كما يَنْحو شَريدُ المَجانب
فوافَتْه يتلو بَعْضُه الْبَعْض سابِحاً ... فَمِنْ بين طافٍ مُسْتَقِرٍّ وراسِب
تَوَلَّتْ ونيرانُ الأَسَى قد تأَجَّجَتْ ... كأَنّ بَجَنْبَيْها دُفوفَ الضَّوارِب
ولا ذاتِ طَوْقٍ من حمائِم أَيْكَةٍ ... بنَعْمان تسجو في الضُحَى والغَياهِب
غَدَتْ تَرْتعي نَحْوَ اليمَام وعاوَدَتْ ... إِلى وَكْرها تَبْغيه عَوْدة آيِب
فأَلْفَتهُ قفراً من أَنيسٍ فَرَجَّعت ... فالأَجانب
بأَوجعَ من قلبي عَشِيَّةَ مالكٌ ... بِوادي الغَضا مُلْقىً صَريعَ النوائب
خَلِيليَّ مُرّا بي علي قبر مالكٍ ... فإِنّ لُباناتي بهِ ومآرِبي
وَحُطّا بِرَحْلي حيث حَلَّ فنآؤُهُ ... فإنّ بذاك التُّرْبِ نَيْلَ مَطالبي
وقُولا له إِنْ جئتُماه فَبلِّغا ... عليكَ سَلامُ اللهِ يا خير طالبي
فإِنْ تَكُنِ الآفاقُ بَعْدَكَ أَظلمتْ ... وخاب ذَوُو الآمالِ مِنْ كلِّ جانبِ
فَبالأَرْوع المَيْمون نَجْلِك إِنْجَلَتْ ... لَياليُها حتى اهتَدى كُلُّ طالِب
وللشريف علي بن عيسي بن حمزة بن وهاس بن أبي الطيب الحسني السليماني ذكر أنه مات بمكة سنة ست وخمسين وخمسمائة وكان في عشر الثمانين، أصله من اليمن من مخلاف بني سليمان أنشدني له ابن عمه الأمير دهمش بن وهاس ابن عثور بن حازم بن وهاس الحسني وقد وفد إلى الملك الناصر صلاح الدين علي باب حلب في رابع عشرين ذي الحجة سنة إحدى وسبعين:
صِلي حَبْلَ المَلامَةِ أَو فَبُتّي ... ولُمّي من عِتابِكِ أَو أَشِتّي
هِيَ الأَنْضاءُ عَزْمَةُ ذي هُمومٍ ... فَحَسْبُكِ والمَلام ولا هُبلْتِ
إليكِ فلستُ مِمَّن يَطَّبيه ... مَلامٌ أَو يَريغُ إِذا أَهَبْتِ
حَلَفْتُ بها تُواهِقُ كالْحنَايا ... بَقايا رِحْلةٍ كَسَمَالِ قَلْتِ
سَواهِمَ كالْحنايا رازِحاتٍ ... تَرَاكَعُ من وَجىً ووَنىً وعَنْت
جَوازِعَ بطنِ نَخَلْةَ عابِراتٍ ... تَؤُمُّ الْبَيْت من خمسٍ وَسِتّ
أَزالُ أُذيبُ أَنْضاءً طِلاحاً ... بِكُلِّ مُلَمَّعِ القَفَرات مَرْتِ
وأَرغَبُ عن مَحَلٍّ فيه أَضْحَتْ ... حِبالُ المَجْد تَضْعُف عند مَتّي
أَما جَرَّبْتِ يا أَيامُ مِنّي ... فَرُوكَ تَجَمُّعٍ وحَليفَ شَتِّ
أَبِيّاً ما عَجَمْتِ صَفاه إِلاّ ... وَأَثَّرَ في نُيوبكِ ما عَجَمْتِ
ورُبَّ أَخٍ كَريمِ الُوِدّ مَحْضٍ ... يُراعُ لِدَعْوتي كالسَّيْفِ صَلْتِ
أَبَتْ نفسي فلم تَسْمَحْ بِشَكْوى ... إِليه غير ما جَلَدٍ وصَمْتِ
أَقولُ لنفسيَ المِشْفاقِ مَهلاً ... أَلَيْسَ عَلَى الرَزِيَّةِ ما أَضَرْت
لَئِنْ فارقتِ خَيْرَ عزىً لأَهْلٍ ... فَخَيْرُ بني أَبيكِ بهِ نَزَلْتِ
وله من مرثية في الأمير قاسم بن محمد أمير مكة شرفها الله تعالى:
لا زَالَكِ الوابِلُ من حُفْرةٍ ... أَيّ فتىً واريْتِ رَحْب الذِّراعْ