للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَدا لَدَيْكَ صَريحُ فَضْلي مِثْلَ ما ... لا يَسْتَسِرُّ لدَيْكَ نَقْصُ مُمَوِّهِ

حُزْتَ السَّعادَةَ مِنْ إِلاهِكَ ما سَرَتْ ... في الليَّلْ دَعْوَةُ عابِدٍ مُتَأَلِّهِ

هذا آخرها، وهي تسعةٌ وأربعون بيتاً.

الأجل تاج الملوك

أبو سعيد بوري بن نجم الدين أيوب

أصغر إخوة الملك الناصر ذو الكرم الظاهر، والمحتد الطاهر، والفخر الصادع فجره الصادق، والنجر السامي قدره السامق، طفل السن كهل السنا، أهل المدح والثنا، نشأ بالفضل متشبثاً، وبالفصل متحدثاً، وبالنبل متبعثاً، له الفطرة الزكية، والهمة العلية الجلية، والعزمة الماضية المضية، الحافظ من العلم ذماء الذمار، واللاحظ في الحلم وقاء الوقار، لم يبلغ العشرين سنة، ولم يورق ترعة الترعرع غصنه. وله نظمٌ لطيفٌ، وفهمٌ شريفٌ، وقد كتب لي ما أورده استحساناً، ولا أقيم على حسنه سوى معناه برهاناً.

فمن ذلك قوله:

يا حَياتي حينَ تَرْضى ... وَمَماتي حينَ تَسْخَطْ

آهِ منْ وَرْدٍ عَلى خَدَّ ... يْكَ بِالْمِسْكِ مُنَقَّطْ

بَيْنَ أَجْفانِكَ سُلْطا ... نٌ عَلَى ضَعْفي مُسَلَّطْ

قَدْ تَصَبَّرْتُ وَإنْ بَرَّ ... حَ بي الشَّوْقُ فَأَفْرَطْ

فَلَعَلَّ الدَّهْرَ يَوْماً ... بالتَّلاقي منْكَ يَغْلَطْ

وقوله:

يا مانِعي أَنْ أَجْتَني زَهَراً ... في رَوْضَتَيْ خَدَّيْهِ مَنْتِبُهُ

لا تَبْخَلَنَّ عَلى الُمحِبِّ بما ... يَبْلى غَداً وَتَزولُ بَهْجَتُهُ

وقوله:

وَا شُؤْمَ بَخْتي يَضُمُّنا وَطَنٌ ... ولَيْسَ يُقْضي فيهِ لَنا وَطَرُ

وَلا تَراني وَلا أَراكَ فَوَا ... طُولَ بَلائي حَتّى وَلا النَّظَرُ

تِلْكَ لَعَمْري مُصيبَةٌ عَظُمَتْ ... وَخُطَّةٌ ما يُطيقُها بَشَرُ

وقوله:

أَيا حامِلَ الرُّمْحِ الشَّبيهِ بِقَدِّهِ ... وَيا شاهِراً سَيْفاً حَكى لَحْظَهُ عَضْبا

ضَعِ الرُّمْحَ وَاغْمِدُ ما سَلَلْتَ فَرُبَّماقَتَلْتَ وَما حاوَلْتَ طَعْناً ولا ضَرْبا

وقوله:

لي في الأَنامِ حَبيبٌ ... يُنْمى إلَى الأَتْراكِ

أَشْكو إليْهِ غَرامي ... فما يَرِقُّ لِشاكِ

يَظَلُّ يَضْحَكُ عُجْباً ... وَالطَّرْفُ مِنِّيَ باكِ

فَدَيْتُهُ منْ غزالٍ ... بِعَيْنهِ فَتَّاكِ

ظَبْيٌ أَغارُ عَلَى رِي ... قِهِ منَ الْمِسْواكِ

يا لَيْتَني كُنْتُ في كَفِّ ... هِ عُوَيْدَ أَراكِ

وقوله:

أَفْديهِ منْ رامٍ يُفَوِّقُ سَهْمَهُ ... عَنْ قَوْسِهِ فيُصيبُ قَلْبَ مَرامِهِ

وَهُوَ الْغَنِيُّ بِحاجِبَيْهِ كِلَيْهِما ... وَلِحاظِهِ عَنْ قَوْسِهِ وسِهامِهِ

وقوله:

يا غَزالاً يُميتُ طَوْراً وَيُحْيي ... وَهُوَ بُرءُ السَّقيمِ سُقْمُ الصَّحيحِ

هذِه الُمْعِجزاتُ لَيسَتْ لِظْبيٍ ... إنَّما هذِه فِعالُ الْمَسيحِ

وأنا أستطرف منه هذه الفتاءة، وَطرو نشائه وانتشاءه، وأستبدعه ولا أستبعده، لأنه نازلٌ من بيت العلياء في سمائه، عالٍ على سمائه بسنائه.

واستبعد أخوه الملك الناصر منه قول الشعر، فقال:

أَيا مَلكاً ما زالَ يَفْعَلُ جُودُهُ ... عَلَى سائرِ الْحالاتِ ما يَفْعَلُ الْقَطْرُ

أَتُنْكِرُ نَثْرَ الُّدِّر منْ بَحْرِ خاطريوَتعَلُم أنَّ الدُّرَّ مَسْكَنُهُ الْبَحْرُ

باب في ذكر محاسن الشعراء بدمشق

وأعمالها وفيه ذكر أعيان الساحل

ابن الخياط الدمشقي

هو أبو عبد الله أحمد بن محمدٍ، عاش على سمعته إلى آخر سنة سبع عشرة وخمسمائةٍ، وتوفي في سابع عشر رمضان منها، وكان قد سافر إلى بلاد العجم مع أبي النجم بن بديعٍ الأصفهاني، وبلغ الري، وعاد منها إلى دمشق. ومات بها بعد ذلك بمدةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>