وله الي ابن الدّواميّ أبي المعالي، يطلب منه شراب البلَح في مرضه من القيام:
يا سيّداً جملةُ أوصافِه ... تُملي في ممتدحيهِ المِدَحْ
قد سال واديّ بما فيه فاس ... كِرْه بشيء من شراب البلَحْ
الرّبيب أبو المحاسن بن البوشنجيّ
لهج اللهجة، بنظم الرُباعيات، أرِج البهجة، بعرْفِ الحسنات.
كان والده وزيرَ أمير الجيوش نظر أمير الحجّاج. وورث هذا موضعه، ولم يزل وزير أمير الحُجّاج في آخر الدولة المقتفوية والدولة المستنجديّة. ثم ولي بواسط وزارة أميرها، وبقي مدّة بصفو العيش ونَميرها.
وسمعت الآن - في سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة - أنّه موسوم بالعطلة، ممنُوٌّ بالعزلة.
وقد أوردت له، من فنه، ما يسبق إليه من لفظه وحسنه.
فمن ذلك قوله:
رقّت وتأرّجت برَيّا عبَقِ ... صهباءُ تخالُها شُعاعَ الشّفَقِ
يا بدرُ أدِرعها قبَساً في الغسقِ ... تُهدي طرباً وهي ضلالُ الطُرقِ
وقوله:
رقّت وصفت واسترقّت ألبابا ... راحٌ لبِستْ من الضّنى جِلبابا
يا بدرُ أدِر وعدِّ عمّن يابى ... كأساً طُرِد الهمّ بها فانجابا
وقوله:
ما أطيبَ ما زار بلا ميعادِ ... يختالُ كغصنِ بانةٍ ميّادِ
ما طلّ ولا بلّ غليلَ الصّادي ... حتى قرُبَ البينُ ونادى الحادي
وقوله:
بِتنا وضجيعنا عفافٌ وتُقى ... نشكو أرَقاً ونستلذّ الأرَقا
يا بدر دُجنّة ويا غصنَ نَقا ... لولاك لما عرفْتُ هماً وشَقا
أبو علي بن الرئيس خليفة الدّوَوي
كان يخدم شمس الملك بن النِّظام.
كان خليفة الدّوَويّ، رحمه الله، من الموالين لعمّي العزيز، رحمه الله، المتعصّبين له.
وهذا ولده أبو علي، حُكي لي عنه أنه برَع في الأدب، وأبرّ على أهله، وأرِجت أرجاء العِراق بنشر فضله.
وله المقطّعات النادرة الدالة على ظَرْفه ولطفه، وحسن معرفته، وطيب عَرفِه.
نضَب ماء شبابه، وأتاه نذير الأجل بكتابه، وعاجله من المنون ما لم يكن في حسابه.
أُنشدت له بيتين يهجو بهما ابن كامل العوّاد، أحلى من نغَمات العود، وألطف من نغمة الرّود، وأطيب من وِجدان الحظّ المنشود، وأحسن من الرّوض المعهود، وهما:
إن وفت لابن كاملٍ صنعةُ العو ... دِ فقد خانه غناءٌ وحلْقُ
هو للضّرب مستحقٌ ولكن ... هو بالضّرب للغناء أحقّ
وله رباعيات في حسن الربيع، بالمعنى البديع، واللفظ الرّصيع، فمنها:
يا من هرَبي منه وفيه أربي ... ضدّان هما عذابُ قلبي التّعِبِ
أحيا وأموتُ وهْو لا يشرُ بي ... كم وا حرَبي فيه، وكم وا حرَبي
ومنها:
يا من أدعو فيستجيبُ الدّعوى ... لا يحسُن بي الى سواك الشّكوى
أنت المُبْلي فكن مُزيل البلوى ... لا مُسعِدَ للضّعيفِ إلا الأقوى
أبو السّمح سعيد بن سمرة الكاتب
من أهل الأدب والفضل، له اليد الطّولى في النثر البديع، والكلام الصّنيع، والتصريع والترصيع. يحذو حذو الحريري في ترسّله، وينسج على منواله.
نظم رسائل على حروف المعجم، كلّ كلمة منها فيها الحرف الذي بنى الرسالة عليه، كرسالتي الحريري: السّينية والشّينية. وسأوردهما في كلام الحريري.
وأبو السَّمْح سمحُ الخاطر، جواد القريحة، مجيب الرّويّة، مصيب المعاني الرائقة، مجيدٌ لنظم الكلِم الفائقة.
أسلم في الدولة المستنجدية، وحسُن إسلامه، وعمل قصيدة في الرّد على اليهود وإظهار معايبهم، ورتّبه الإمام كاتباً بمَنثَره.
فمما أنشدني له في الإمام المستنجد بالله، يهنّيه بعيد الفطر سنة إحدى وستين، أبيات، نظمها غير معجمة، وهي:
ملِكَ الأمر دام أمرُك مسمو ... عاً مُطاعاً ما حال حوْلٌ وحالُ
ورعاك الإلُ ما همَر الرع ... دُ وما دامَ للوَدودِ وِصالُ
وأدام العلاّمُ مُلكَ محرو ... ساً محوطاً ما حُلِّلَ الإحلالُ
عمّ أهلَ الإسلام طوْلُك طُراً ... وعداهم لعدلِك الإمحالُ