من مُجيري من أَبْخَرٍ شَفَتَاهُ ... لرياحِ الكنيفِ جَذَّابَتانِ
وإذا ما ألفاظُهُ فَغَرَتْ فا ... هـ فويل الأُنوفِ والآذان
تستجيرُ البنانَ هذِي من البُعْدِ ... وهذي تلوذُ بالأَرْدَانِ
[أبو الفرج سهل بن حسن الإسناوي]
ذكر الرشيد بن الزبير في مجموعه الذي ألفه سنة ثمان وخمسين أنه شاعرٌ معدود من مجيدي الشعراء. قال: وهو إلى أن نظمت هذا التعليق حيٌّ ولا أقول يرزق إذ كانت أبواب الرزق دونه مغلقة، وسبيل المعروف عليه مرتجة؛ وتوفي سنة سبعين.
وأورد من شعره قوله في محمد بن شيبان:
قالتْ أَرَاكَ عظيمَ الهمِّ قلتُ لها ... لا يعظُمُ الهمُّ حتى تَعْظُمَ الهِمَمُ
وَصَمَّم الحيُّ في عذلي فقلتُ لَهُمْ ... عَنِّي إليكم فبي عَنْ عَذْلِكُمْ صَمَمُ
إن الضراغمَ لا تَلْقَى فرائسَهَا ... حتى تُفَارِقَهَا الأَغْيالُ والأُجُمُ
والهندوانيُّ لا يُحْوَى به شَرَفٌ ... حتى يُجَرَّدَ وهو الصارمُ الخَذِم
لأَفْصِمَنَّ قُوَى إِبْلِي بِمُتَّصِلٍ ... من السُّرَى مُسْتَمرٍ ليسَ يَنْفَصِمُ
سارَتْ ونَارَ الضحَى بالآلِ مختلطاً ... وأَدْلَجَتْ وظلامُ الليل مُرْتَكمُ
حتى أَنَخْنَا بها من بعد ما فنيت ... سيراً بحيث أقام الجود والكرم
لما بَدَتْ دارُهُ والركبُ يَقْصِدُها ... من كلِّ فَجٍ ظَنَنَّا أَنها حَرَم
وَقِيلَ هذا ابن شيبانٍ أَمَامَكُمُ ... قَدٍ فقلنا أَلاذَ الناسَ كُلَّهُمُ
غَمْرُ الندى والشَّذَا لولا توَقُّدُهُ ... لأَوْرَقَ الرمحُ في كفيه والقَلَمُ
لو لم يكنْ في يديه غيرُ مُهْجَتِهِ ... أَفادَهَا قاصديه وهو مُحْتَشِمُ
ومنها:
تَقَدَّمَ الرائدُ الراعي على ثقةٍ ... بالخِصْبِ منك ولم تَعْلق بك التُّهَمُ
لا مجدَ إلا وأنتمْ شاهدوه ولا ... فَرْعٌ من الفخر إلاّ أَصْلُهُ لَكُمُ
بيتٌ تَقَدَّمَ قَبْلَ الدهر مَنْصِبُهُ ... ولم يُكَسِّبْهِ إلاَّ الجِدَّةَ القِدَمُ
كأنهمْ وسعيرُ الحربِ مُضْرَمَةٌ ... أُسْدٌ ولكن رماحُ الخطِّ غِيلُهُمُ
كالعاصفاتِ السوافي إنْ همُ حَمَلوا ... والشاهداتِ الرواسي إنْ همُ حلموا
هذا بعينه قول ابن حجاج:
والشاهدات الرواسي إن هم حَلُموا ... والعاصفاتُ السَّوَاري إن همُ جَهِلوا
وأكثر الناس جوراً في عطائِهِمُ ... وأَعدلُ الناس أحكاماً إذا حَكَمُوا
من كلِّ أَزْهَرَ في معروفهِ شَرَفٌ ... وكلِّ أَرْوَعَ في عِرْنينه شَمَمُ
وله في كبير وقد غرق في النيل:
إني جُعِلْتُ فداكا ... أَشْكو إليك أَخَاكا
كأنَّما حَسِبَتْني ... أَمْواجُهُ من عُلاَكا
فغرَّقَتْني كما قَدْ ... غَرِقْتُ في نُعْماكا
القاضي الأنجب
أبو الحسن علي بن الغمر الهاشمي
شاب مقيمٌ بقوص، له بالأدب خصوص. أنشدني ابن عمٍ له من قصيدة له ليس فيها نقطة وهي:
أَأَطاعَ مسمعُهُ الأَصمُّ مَلاَمَا ... أَمْ هل كَرَاه أَعَارَهُ إِلْمامَا
كلاَّ وَأَحْوَرَ كالمهاةِ مُصَارِم ... كلٌّ أَطَاعَ له هَوَاهُ وَهَاما
وَطَلاَ أَرَاكٍ ما عَدَاكَ صُدُودُهُ ... أَسْلاَكَ دعداً دَلُّهُ وَأُمَامَا
وأَعَدَّ عام وِصاله لك ساعةً ... وأَعَدَّ ساعةَ صدِّهِ لك عاما
مُرْدٍ سُلُوَّكَ واصلاً ومصارماً ... إِرداءَ صارمِ سِحْرِهِ الأَحْلاَمَا
لولا مُكَحَّله الأَحَمُّ وسِحْرُه ... ودلالهُ لم أُعْطِهِ ما سَامَا
أَمُحَرَِّّماً وَصْلاً أَراهُ مُحَلَّلاً ... ومُحَلِّلاً صَدًّا أَراه حَرَاما