الإنس وأرواح الجانّ، سراباً يترقرق في قِيعان الحَدَثان، ويُسمع من جوّ الجَنان، هاجس الإلهام يقول بلسان العِرفان: وأرواح الجانّ، سراباً يترقرق في قِيعان الحَدَثان، ويُسمع من جوّ الجَنان، هاجس الإلهام يقول بلسان العِرفان:
وفي تأمُّلِهمْ معنىً يقومُ بهمْ ... وفي تخَيُّلِهمْ للعين ألوانُ
فإنْ نظرتَ فأشكالٌ مُعَدَّدةٌ ... وإنْ تأمَّلتَ لا إنْسٌ ولا جانُ
يا مَن أُخرج حيُّ وجوده من ميّت عدمه، وجُمعت متفرِّقات ذرّاته في مَجْمَع صورته، لا تغفل عن شكر الصانع، وسرعة استرجاع الودائع، يا ميّتاً نُشِر من قبر العدم، بحُكم الجود والكرم، لا تنس سوالف العهود والذِّمَم، اللهم طهّر جوارحنا من لُوَث الآثام، ولطخات الخطايا والإجرام، سلِّم قلوبنا من الافتتان، بخيال زخارف الألوان، والاغترار بلَموع سراب الأسباب، في صحراء الحدَثان، الذي يبخل بمواساة الفقراء، ولا يدفع ضرر الاحتياج عن الضعفاء، كمن يبخل بالدواء على المرضى، وكالطبيب القاسي القلب على أهل البلوى، كان عمر رضي الله عنه يقول في دعائه: اللهم اجعل الخير في خِيارنا، ليعودوا به على ذوي الحاجة منا، توفُّر الدواعي على المساعي الدنياوية، والأمور البدنية، مُضرٌّ بالأحوال القلبية، طُوبى لمن أَنِس بما لا يفارقه، واستوحش مما لا يدوم له، يا من تعاظم في نفسه، وتكبّر على أبناء جنسه، حين ساعده الزمان، وساعفتْه القدرة والإمكان، هل أنت إلا مُضغة في فم ليث الحِدْثان، وغُثاء يجري بك سيلُ الزمان، احذر أن تنكسر بيضة الصورة، وما انعقد فرخُ الفِطرة، ولا درات فيه روح المعرفة، فتخرج إلى عَرْصَة العَرَض عادماً لروح السعادة، فاقداً لحياة الفوز في الدار الآخرة، هذِّبوا القلوب، تحنّ إلى الغيوب، اللهم أطلق أسر الأرواح، من سجون هموم الأشباح، صُنها عن التدنُّس بممازجات الأمور الدنيّة، أعطِها لَهَجَاً بالأمور الشريفة العليّة، صَفِّ الأبصار، عن غبار الأغيار، والنظر إلى أهل الغفلة والاغترار، الغرقى بحُكم البحر، لا البحر بحُكمهم، فأنّى لهم النجاة من سَطَوَاتِ قهره بحَولهم وقوتهم، وجِدّهم وجهدهم، قوة الرغبة في الدنيا علامة ضعفها في الآخرة، من شَرُفت همته شرفتْ رغبته، وعزّت طَلِبَته، البواطن حواضن، لما فيها من المساوي والمحاسن، اللهم شرِّف جوارحنا بخدمتك، اخلع عليها العصمة عن معصيتك، قرِّب أرواحنا من جَناب اجتبائك، صَفِّها بمُصافاة اصطفائك، حلِّها بحِلية أوليائك، أعطها فهماً ثاقباً ونظراً خارقاً لحُجب الغفلة عن جلالك وكبريائك، اللهم ارزقنا يقظةً عقلية، وانتباهةً قلبيّة، نخرج بها من أضغاث أحلام الأماني ومنام الأوهام، وظلام ليل الغفلة والنسيان، إلى ضياء نهار الكشف والعيان، اللذة العقلية هي التي يجدها العقلاء في عواقب صبرهم على المكاره، إلهي، الرجاء لغيرك خيبة، والخوف من غيرك شِرك، والالتفات إلى من سواك غفلة، والأُنس بمن دونك وحشة، إلهي، أضِجُّ إليك مما يقطع عنك، وأسترسِل لفِعلك إذا صدر منك، وأدأب في الطلب خوفاً من فوات المقصود، وأتناهى في الحيرة إذا فكّرتُ في شَرَك خلقك، العالم كالدوحة قشورها الأراذل، وثمارها الأفاضل، ماذا الرَّوَغان يا ثعالب المطامع، عن أسود الآجال القواطع، روغانك عنها ليس بمُنجٍ منها ولا دافع، ولا مُجدٍ ولا مانع، إن أردت دوام السرور والابتهاج، فكن منحرفاً عن منهاج الغضب واللجاج، معرضاً عن طريق الحرص والطمع المؤدي إلى القلق والانزعاج، استعد لجروح الغفلة مراهم الادِّكار، ولخَرْق حُجُب البلادة مُدى الأفكار، الغفلة عن الله ميراث الجهل بالله، أظلمُ الحجُب الحائلة بينك وبين ربّك نفسك، تعصيه في طاعتها، وتُسخطُه في مرضاتها.