الدنيا منزلٌ رَجّافُ الأرجاء، منهار البناء، مَخُوف الفِناء، محفوفٌ بالفناء، مملوء بالعناء، محشوٌّ بالعِلل والأدواء، موردٌ كثير الشوائب والأقذاء، مع كلِّ مسرّة، مساءةٌ ومضرّة، مع كل أمنية، همٌّ وبليّة، ونزول منيّة، مولاي، يدُ فاقتي تقرع باب فضلك، وحال مسكنتي تستنزل من سماء كرمك مدد إحسانك، ومزيدَ بِرِّك، المِسك يُخبر عن نفسه، خفاء عيب الإنسان عليه، أشد عيوبه لديه، اللهم اكشف عن مصابيح الأفهام، حجُبَ الظنون والأوهام، إلهي أطلِق قلبي من أسر الشواغل، ومحابس الاغترار بالأمر الزائل، إيّاك وما يحرف مزاج الفطرة عن الصحة، وهو الخروج عن حِميَة الوحدة، وسلامة الخلوة، إلى تخليط المخالطة، فإنها تَحْدُث منها للقلب أمزجة رديّة مضرّة بصحة فطرته، مفسدة لنظام سلامة أحواله، أقرب الأسباب إلى نيل المطلوب، جمع الهمِّ في طلبه، واتحاد القلب بذِكره، الكون كلّه فمٌ لسانُه الحكمة، الكون بحر، السماء ضحضاحُه، وارض ساحله، ومرسى مراكب عجائبه، ومجمع سفن بدائعه، والأقضية والأقدار سفّارة، والخليقة سيّارة، تبدو كل حين تنتشر من بلاد صين سرِّ القدَر، في مراكب القُدَر، إلى ساحل عالم الصوَر، وحدود دار البشر وتُظهَر وتُنشَر لو قيل لي: ما تصنع؟ لقلت أُداري عليلي إلى أن يبرأ، وبُرؤه موته، وسُقمه حياته، أعالج عللي وأسقامي، بكواذب ظنوني وأوهامي، فلا العلاج ينجع، ولا السقيم ينتفع، أداوي كلوم أحوالي، بصبري إلى حين انفصالي، أُلاطف أسقام أفهام أشكالي باحتمالي أذاهم، وأُداري علل أخلاقهم ولا أطمع في البُرء من بلواي وبلواهم، لا تفتح باب خزانة قلبك فتعرِّض ما أعددته فيها من ذخائرك لآخرتك لنهّابة الهوى، حصِّنها بحصن الورع والتقوى، اللهم إني أسألك لذّة غير مُدركة بعلاقة حِسٍّ، ولا رجم حَدْس، أسألك غُنيَةً عن المَدارك الحسيّة، والعلائق الوهميّة، الصداقة عداوةٌ إلاّ ما داريْت، والوُصلة قطيعةٌ إلا ما صافيت، والنعمة حسرةٌ إلا ما واسيْت، المحاسن الشخصية معاثر أقدام همم الغافلين، وهي لأرباب البصائر منابر عليها خطباء الصنع، تخاطب ألبابها بألسنة دلالاتها، وعبارات عِبرتها، صلاح حال القلب أن يكون أبداً بين مزعجات وعيده، ومسكِّنات وعده، المكاره والأذايا كالمحاجِم، تُخرج من النفوس فضولَ أدواء الأهواء والمآثم، النفوس الشريفة العارفة تعبر بمراكب معارفها، وجواري سفن أفكارها، وهبوب رياح عزائمها، بحر عالم الدنيا بسفينة الزهد فيها، وصدق اللَّجَأِ إلى ربّها، في السلامة من عطبها، فمن لم يُهيِّئ سفينة نجاته ويُعدَّ فيها زاد آخرته من أعماله الصالحة، وحان وقت العبور من دار الغرور، إلى محلّ الغبطة والسرور، وقلبه متَّحد الهمِّ والفكر، بخيالات زخارف عالم الصوَر، مُنغمِس البصيرة في أكدارها، مُنتكِسُ الهمّة في أغوارها، لا يعرف غيرها، ولا يحِنُّ إلى سواها، زَفَرَت عليه أهوال بحر الموت، وغرق في يمّ الهمّ فصار عذابه لازماً، اللهم ألقِ من إكسير كرمك على مَسِّ مَسْكَنتنا، خلِّص بنار مخافتك غِشّ غفَلاتنا، صَفِّ بنور قدسِك شَوْبَ الشُّبَه من جواهر عقود عقائدنا، اجتهادك في طلب الشيء واهتمامك بصيانته، بقدر معرفتك بشرفه، الإنسان كالفَلَك، وقواه المنوطة بباطنه وظاهره كالكواكب، تدور على مركز همّته، ومدار أفعاله وأقواله، على قُطب عقله، ضاع ماء عمرك في خَرَبَان الخُذلان، وغار في غِيران الشقاء والحرمان، أُرْدُدْه إلى رياض طاعات الرحمن، صُنه عن الذهاب في خراب الدنيا، ردَّه إلى عُمران الآخرة، اللهم ارفع القلوب من مهاوي الهموم، إلى ذروة الثقة بك، يا من حياته معلّقة بسِلك نفسه، وموته بانقطاعه، تفكَّر في سرعة فناء مُدَدِه، ونفاد عُدَده، فإنّ ذهابك بذهابه، وانحلال عَقْدِ بقائك بانحلاله، بضاعة عمرك تسترقُها سُرّاق الساعات