ضرب رقبته صاحب مصر المنبوز بالحافظ لمدحه ولد الأفضل لما استولى على الملك، وقبضه الحافظ ليدبر له فلك الهلك، وتركه في حبسه مغتراً بنفسه، وفتك بابن الأفضل في الميدان، وعاد الحافظ إلى المكان، وأهدر دم ابن عياد، وملك من دمه، حيث لا قود، القياد.
ذكر ابن الزبير في مجموعة أن ابن عياد حضر في بعض البساتين يشرب تحت شجرة ومعه غلام حسن الوجه فتساقط عليه من ثمرها، فقال:
ودوحةٍ كالسَّماءِ نادمني ... من تحتها بَدْرُهَا على حَذَرِ
فأنشأتْ بالنجوم تَرْجُمُهُ ... وذاكَ من غَيْرَةٍ على القَمَرِ
وقرأت له في مجموع في مدح محمد بن أبي أسامة كلمة ذات أوزان موشحة:
يا من ألوذ بظلِّهِ ... في كل خطب مُعْضِلِ
لا زلتُ من أصحابهِ ... متمسِّكاً بيد السلاَمَهْ
آمِناً من كل بَاسِ
في الحوادثِ والصُّرُوفِ
وأعوذُ منه لفضلهِ ... في كل أمر مشكلِ
ما لاح فجر صوابهِ ... كالشمس من خَلْف الغمامَهْ
لا تميلُ إلى شِمَاسِ
دون موضعها الشريفِ
وأعدُّه لي مَعْقِلاً ... أضحَى عليه مُعَوّلي
عند المثول ببابه ... لما أمنت من الندامَهْ
في السماع وفي القياسِ
المحض والنظر الشريف
وأجلُّهُ عن مثلهِ ... مثل الحسام الفَيْصَل
ماضٍ بحدّ ذُبابه ... في كل جمجُمةٍ وهامَهْ
ثابتٌ صعب المراسِ
على مباشرة الحتوفِ
ولابن عياد:
كأنما الأرض لوْحٌ من زَبَرْجَدَةٍ ... بدَتْ إليكَ على غِبٍ من السُّحُبِ
والأقحوانة هَيْفَا وَهْيَ ضاحكةٌ ... عن واضحٍ غير ذي ظَلْمٍ ولا شَنَبِ
كأنما شمسه من فِضَّةٍ حُرِسَتْ ... خوفَ الوقوع بمسمارٍ من الذَّهَبِ
وذكره لي الفقيه نصر الإسكندري ببغداد، وقال: كان ابن عياد شاعراً مجيداً طريف الشعر مشهوراً وتنقلت به الأحوال إلى أن صار من شعراء صاحب مصر وحظي عنده ونال حظاً وافراً، فلما تولى أبو علي بن الأفضل، وحبس الحافظ، نظم فيه قصيدة، أولها:
تبَسَّمَ الدهر لكن بعد تَعْبِيسِ ... وقُوِّضَ اليأسُ لكنْ بعد تَعرِيسِ
ومنها:
إذا دَعَوْنَا بأن تَبْقَى لأنفسنا ... دُعاءَنَا فابْقَ يا ابن السادَةِ الشُّوسِ
ومنها يذكر عود الملك إليه:
وقد أعاد إِليه الله خاتمَهُ ... فاسترجعَ الملك من صَخْرِ بن إبليس
وهذا البيت كان سبب قتله، وله قصة مشهورة.
رضي الدولة أبو سليمان
داوود بن مقدام بن ظفر المحلى
من بلد المحلة من الديار المصرية بأسفل مصر. ذكره القاضي الفاضل، وقال: شاعر ملء فكيه، توفي في عصرنا هذا، له:
لئن لذَّ لي طولُ المقام ببلدةٍ ... لذي مَلَكٍ يُثْنِي عليه الْمُهَاجِرُ
ففي الناس من يَقْضِي من الحج فَرْضَهُ ... وآخَرُ من طِيبِ المُقام يُجاوِرُ
وله
إذا كنتَ في الليل تَخْشَى الرقي ... بَ إذ أنت كالقَمَر الْمُشْرِقِ
وكان النهارُ لنا فاضحاً ... فباللَّهِ قل لي متى نلتقي
ثم طالعت كتاب جنان الجنان الذي صنفه ابن الزبير سنة ثمانٍ وخمسين وخمسمائة، وذكر فيه هذا داوود، وقال: هو من أبناء الجند بأسفل مصر إلا أن همته سمت به من الأدب إلى دوحةٍ يقصر عنها أمثاله، ولا يطمع فيها أضرابه وأشكاله، وعضده على ذلك جودة الطبع ونفاذ القريحة، حتى أدرك بعفو خاطره وسرعة بديهته ما لم يبلغ إليه كثرةٌ من أبناء عصره في الدأب على اقتناء الأدب. وذكر ما معناه أنه كسدت سوقه، وجحدت حقوقه، وهو منحوس الحظ غير مبخوت، منكوب الجاه بحرفة الأدب منكوت. قال ابن الزبير: ومما أنشدني لنفسه قصيدة مضمنةً شرح حاله، وهي:
وقد بَكَرَتْ تلومُ على خمولي ... كأنّ الرزق يجلبُه احتيالي
تُقَدِّرُ أنني بالحرْصِ أَحْوِي ... الثراءَ وذاكمُ عَيْنُ المُحَال
تقولُ إذا رأت إرشادَ قولي ... هُبِلْتَ ألا تَهُبُّ إلى المعالي