لا ترتضي الحلف في وعد تركت به ... قتيل حبك قد أوفى على الفرج
أولا فثنّيه للمشتاق يله به ... وفيت أم لم تفي قولي بلا حرج
وكتب شافعا:
بثّ الصنائع لا تحفل بموضعها ... فيمن نأى أو دنا ما كنت مقتدرا
كالغيث ليس يبالي حيثما انسكبت ... منه الغمائم تربا كان أو حجرا
ذو الوزارتين
الفقيه القاضي، قاضي قضاة المشرق أبو أمية إبراهيم ابن عصام
وصفه بالمهابة التي يطرق الدهر لها توقيرا، ويشرق السعد لبهائها منيرا، وإنه نظم الرئاسة في سلك القضاء، وهزم الكتائب بالمضاء، مستنير بذكائه لا يستشير غير رأيه، وأورد من نظمه ونثره ما يستمد البحر من غزارته، والروض من نضارته، فمن ذلك أنه كتب إليه أبو الحسن ابن الحاج:
ما زلت أضرب في علاك بمقولي ... دأبا وأورد في رضاك وأصدر
واليوم أعذر من يطيل ملامة ... وأقول زد شكوى وأنت مقصر
فأجابه أبو أمية:
الفخر يأبى والسيادة تحجر ... أن يستبيح حمى الوفاء مزور
وعليك أن ترضي بسمع ملامة ... عنّي السناء وعهده لا يُفخر
ولديّ أن نفث الصديق لراحة ... صبر الوفي وشيمة لا تغدر
وكتب إليه أبو العباس الغرباقي:
أما ترى اليوم يا ملاذي ... يحكيك في البشر الطلاقه
والقلب يرتج مثل قلب ... راقب من إلفه فراقه
والجو صافي الأديم زهر ... مدّ على أرضه رواقه
فامنن بمشي إليه إنّي ... مالي على الصبر عنه طاقه
فأجابه أبو أمية:
عندي لما تشتهي بدار ... يشهد أني عل علاقه
فاخبر بما شئت صدق عهدي ... تجد دليلا على الصداقه
واسكن إلى رأي ذي احتفاء ... يعجز من رامه لحاقه
يطلع برّ الصديق بدرا ... أمّنه عمره محاقه
وكتب إلى أبي العباس المذكور:
كتبت وعندي للنزاع عزيمة ... تسهل تجشيم اللقاء على بعد
ومعهد أنس ما عهدت تحفيا ... فهل مقرض بري ومستقرض حمدي
وإن عاق من عهد لبرك عائق ... تلطفت في العذر الجميل إلى ودّي
وكتب إليه كاتبه باق وهو بالعدوة، بهذه الأبيات:
قصي الدار في أسر الغرام ... أليم القلب من وقع الملام
يضاهي دمعه دمع الغوادي ... ويحكي شجوه شجو الحمام
وتذكره البدور سنا وجوه ... زهاها الحسن عن حمل اللثام
ترق له الرياح فتقتضيه ... إذا هبّت تحية مستهام
ولولا طاعة ملكت قيادي ... لأبلج في الذؤابة من عصام
لما آثرت بعدا عن حبيب ... تجرع بعده غصص الحمام
فأجابه أبو أمية:
ذخرنا البر من لطف النظام ... ومال برأينا سحر الكلام
وعندي للمطيع مطاع أمر ... يجرد للقاء ظبي اعتزام
[الفقيه الإمام الحافظ أبو بكر ابن عطية]
ذكر أنه حافظ الحديث النبوي، وضابط المسموع منه والمروي، وشيخ العلم وحامل رايته، والعارف بالأدب وروايته، طال عمره، وطار ذكره، وطاب نشره، وطاف في الآفاق نظمه ونثره. فمن شعره قوله يحذر من أهل الزمان:
كن يذئب صائد مستأنسا ... وإذا أبصرت إنسانا ففر
إنما الإنسان بحر ما له ... ساحل فاحذره إياك الغرر
واجعل الناس كشخص واحد ... ثم كن من ذلك الشخص حذر
وقوله في الزهد:
أيها المطرود عن باب الرضا ... كم يراك الله تلهو معرضا
كم إلى كم أنت في جهل الصبا ... قد مضى عمر الصبا وانقرضا
ثم إذا الليل دجت ظلمته ... واستلذ الجفن أن يغتمضا
فضع الخد على الأرض ونح ... واقرع السن على ما قد مضى
وقه في هذا المعنى:
قلبي يا قلبي المعنًّي ... كم أنا أدعى فلا أجيب
كم أتمادى على ضلال ... لا أرعوي لا ولا أنيب
ويلاه من سوء ما دهاني ... يتوب غيري ولا أتوب