المغالاة: المسابقة في الرَّمي، ويستعمل في غيره استعارةً.
أبو تراب علي بن نصر بن سعد بن محمد الكاتب
العكبري
ذكره السمعاني في تاريخه، وقال: ولد ب عكبرا، ونشأ بها. ثم انحدر إلى بغداد، وقرأ الأدب والنحو. ثم انحدر إلى البصرة، وصار كاتب نقيب الطالبيين بها، وأقام مدةً. ثم رجع إلى بغداد في سنة تسعين وأربع مئة، وأقام ب الكرخ وسكنها، وولي الكتابة لنقيب الطالبيين إلى أن توفي في جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة وخمس مئة، وكان مولده سنة ثمان وعشرين وأربع مئة، فبلغ عمره تسعين سنة.
قال: أنشدني ولده أبو علي لوالده علي العكبري، وذكر أنه أنشده لنفسه:
لا يغتررْ مَنْ آمالُه طمَعٌ ... إلى الدَّنايا مُوَفِّراً مالَهْ
فإِنَّ أعماله تورّطه ... حين يراها في الحشر أعمى لَهْ
قال: وأنشدني أبو علي، بن أبي تراب علي، قال: أنشدني والدي لنفسه:
حالي، بحمد الله، حالٍ ِجيدُهُ. ... لكنّه من كلّ حظّ عاطلُ
ما قلتُ للأيّام قولَ معاتب ... فالرِّزق يدفع راحتي ويُماطِلُ
إلاّ وقالت لي مقالةَ واعظٍ: ... ألرِّزقُ مقسومٌ، وحرصُك باطلُ
الشيخ أبو المعالي سعد بن علي
الوراق الكتبي الحظيري
من الحظيرة مجاورة ل عكبرا.
أبو المعالي ذو المعاني، التي هي راحة المعنى العاني؛ وراق، لفظه رق وراق، وكسا غصنه الأوراق، وهلال معناه الإشراق.
ذو فنون، غضة الأفنان، وعيونٍ، تقر بها عيون الأعيان، ورهونٍ، يستبد بها عند الرهان.
ضاع عرفه، وما ضاع عرفه، وسبق في إنشاء طرفه طرفه، وبخس حظه الزمان فجرعه صرفه صرفه. فهو بيع الكتب على يده متعيش، وعلى القناعة عن غيره منكمش، وعلى الأنس بالعلم بما سواه مستوحش.
ذكيُّ، ذكاء ذكائه تطلع على نشر له في الأدب ذكي. ألمعي، يذيق كل فصيح ببلاغته ألم عي. حظيري، ينال الصادي من حظيرة دره حظ ري. كتبيٌّ، يعرف الكتب وما فيها، والمصنفات ومصنفيها، والمؤلفات ومؤلفيها.
له التصانيف الحسنة، التي اتفقت على إطرائها الألسنة، وثنت إليها من الفضلاء عنانها الأثنية المستعذبة المستحسنة.
نشر نثره وشي بوشيه، ونجم نظمه نجم في سماء وعيه، ونقاش الصين سرق من سرقه، وصناع صنعاء مطلقة بانقطاعها في طلقه.
المسك في الطيب دون ذكره، والعنبر معرب عن بره.
وجوده ب العراق بين الطغام، وجود الذهب في معدن الرغام.
جامع الكتاب النفيس، الموسوم ب لمح الملح في التجنيس، ومؤلف كتاب الإعجاز، في الأحاجي والألغاز، وقائل القول المستجاد، والشعر المستفاد.
نظمه بديع صنيع، وخاطره في إبداعه وإيداعه كل معنى حسن جريٌّ سريع، وشعار شعره المجانسة والمطابقة، والمبالغة في إعطاء معانه حقه والمحاققة. فشعره مصرع مرصع، معلم بالعلم ملمع. برده مسهم مفوف وسهمه مفوق، وعوده رطيب مورق وشرابه مروق، وبحره فياض، ودرعه فضفاض، وضرغامه للفضل فارس، وفرسه على طرف الفصاحة فارس، سمعت بشائر سيره الحجاز وفارس.
سوق الأدب قائمة بمكانه في سوق الكتب، وإذا حاورته لا تسمع منه غير النكت والنخب. قلبه قليب المعنى، ونحره بحره، وصدره مصدره، وسحره سحره، وخاطره غيثه الماطر، وليثه القاهر، وجنانه من الجنان، فإنه معدن الغر الحسان، ولسانه كالسنان، والعضب اليمان، وخطه كنقش الممزج حلو، وكالممزوج المصرف صفو، ومن كل عيب خلو.
رائق الكلام رائعه، وشائع في البلاد ما يطرز به وشائعه. عجيب الفن غريبه، غض الفنن رطيبه.
مقطعاته أكثر من قصائده، فإنه يقع له معنى فينظمه بيتاً أو بيتين في فرائده.
وقد ألف كل مؤلف طريف، وأودعه كل كلام لطيف، ولا يكون اعتناؤه - أكثر زمانه - إلا بالجمع والتأليف، وتصريف القول في التصنيف.
ولم يزل مجمع الفضل دكانه، ومنبع الفضل مكنه. وكنت أحضر عنده، وأقدح زنده، وأستنشق بانه ورنده، وهو ينشدني ما ينشيه، ويسرح خاطري فيما يوشيه.
أنشدني لنفسه في وصف العذار، مقطعاتٍ أرق من الاعتذار، غاص على ابتكار معانيها بالافتكار.
فمنها، قوله من الأبيات العذاريات:
مُدَّ على ماء الشّباب، الَّذي ... بخده، جَسْرٌ من الشَّعْرِ
صار طريقاً لي إلى سَلْوَتي ... وكنت فيه موثَقَ الأَسْرِ
وقوله أيضاً: