يستعْذِبُ القلبُ منه ما يُعذِّبُهُ ... ويستلِذُّ هَواهُ وهو يُعْطِبُهُ
مِثل الفَراشةِ تُدني جسمَها أبداً ... إلى ذُبالةِ مِصباحٍ فتُلْهِبُهُ
أبو العز يحيى بن عبد الله بن مالك
الفارقي
كأنّه حين بَدا مُقْبِلاً ... في خِلَعٍ يَعْجِزُ عن لُبْسها
جاريةٌ رَعْنَاءُ قد قَدَّرَتْ ... ثيابَ مَوْلاها على نفسها
أبو عبد الله محمد الديار بَكْرِي
أنشدني الشيخ العالم محمد بن عبد الملك الفارقي ببغداد سنة إحدى وستين قال: أنشدني أبو عبد الله محمد الديار بكري لنفسه:
تَنْهَلُّ عَيْنِي إذا ما نابني فرحٌ ... عَكْسَاً وعند الشَّجا تَفْتَرُّ أسناني
إذا الفتى بلغَ العلياء غايتَها ... فطبعُه وطِباعُ الناس ضِدّانِ
من يَبْغِ في المجدِ ما لم يَبْغِه أحدٌ ... يَصْبِرُ على مضضٍ من أَزْمِ أَزْمَانِ
أبو الفوارس المظفر بن عمر
بن سلمان بن السَّمَحان التاجر
من أهل آمد، فارس في فنّه مُظفّر، مُصلّي ميدانه عاثرٌ مُعفَّر، شاعر صالح، وتاجر رابح، ذكره السمعاني في المُذَيّل وقال: أحد التجار المعروفين المتميزين، وكان يرجع إلى فضل وأدب ومعرفة بالشعر، ورد بغداد وكنت بها، وما اتفق لي أن أكتب عنه شيئاً من شعره، وسمع منه رفيقنا أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي في توجهه من الجبال إلى بغداد. أنشدنا أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ الدمشقي بها، قال أنشدنا أبو الفوارس المظفر بن عمر الآمدي لنفسه بقَرْمِيسين:
وَدِدْتُ بأنَّ الدهرَ يَنْظُرُ نَظْرَةً ... بعَينٍ جَلا عنها الغَيابةَ نورُها
إلى هذه الدنيا التي قد تخبَّطَتْ ... وجُنَّتْ فساس الناسَ فيها حميرُها
فيُنكِرَ ما لا يَرْتَضيه مُحَصِّلٌ ... ويأنفَ أن تُعْزى إليه أمورها
فقد أبغضتْ فيها الجسومَ نفوسُها ... مَلالاً وضاقتْ بالقلوب صُدورُها
فلله نفسي ما أشدَّ غَرامها ... بليلى وَلوعاً وهي عَفٌّ ضميرها
طَوَتْ دُونيَ الأسرار حتى نسيتُها ... فليس إلى يومِ النُّشور نُشورُها
وقال السمعاني: وأنشدنا أبو القاسم الدمشقي، أنشدني المظفّر الآمدي بجَلولاء لنفسه:
قُل للذين جَفَوْني إذ لَهِجْتُ بهمْ ... دون الأنام وخيرُ القولِ أَصْدَقُهُ
أُحبّكم وهَلاكي في مَحبّتكم ... كعابدِ النارِ يَهْوَاها وتحرقُهُ
وقال: أنشدنا أبو القاسم الدمشقي، أنشدني المظفر الآمدي لنفسه بخانِقين:
وَذِي نِعمةٍ ليست تَليقُ بمِثلِه ... من النِّعَمِ المَغبوطةِ الحسناتِ
أقولُ له لمّا قَصَدْتُ جَنابَهُ ... وقصدي جِنابُ اللَّوْمِ من عَثراتي
فلم أرَ لي فيه مَقيلاً يُظِلُّني ... ولا مَوْئِلاً يُنْجي من النَّكَباتِ
إذا لم يكن فيكُنَّ ظِلٌّ ولا جَنىً ... فَأَبْعدَكُنَّ اللهُ مِن شَجَرَاتِ
هذا البيت الأخير مُضمَّن.
[أبو علي الحسن بن محمد بن أحمد الآمدي]
من أهل آمد، انتقل منها إلى قرية تعرف ببرفطا من نهر مَلِك، من أعمال بغداذ ذكره أبو سعد السمعاني في كتابه الموسوم بالمذيّل على تاريخ الخطيب، ووصفه بكونه مسنّاً قد جاوز حد المشيب، وقال: لقيتُه وقد ناطح السبعين، والسمعاني كان ببغداد في حدود سنة أربع أو خمس وثلاثين قال: وطبعُه حينئذٍ يجود بالنظم المليح، والشعر الفصيح، وهو فاضل غزير الأدب والفضل، قيِّمٌ بصنعة الشعر، عارف باللغة قال أنشدنا أبو علي الآمدي لنفسه ببرفطا:
للهِ دَرُّ حَبيبٍ دارَ في خَلَدي ... بعد الشباب الذي ولَّى ولم يَعُدِ
أيّامَ كان لرَيْعان الشباب على ... فَوْدَيَّ نُورٌ، ونارُ الشَّيْبِ لم تَقِدِ
وللغِنى والصِّبا خَيلٌ ركضْتُ بها ... في حَلْبَةِ اللَّهْو بين الغَيِّ والرَّشَدِ
والآمديّةُ في أنيابها شَنَبٌ ... عَذْبٌ بَرَدْتُ به حَرّاً على كَبدي