حتامَ حظِّي في الحضيضِ وإنه ... في الفضل عند الناس في عَيُّوقِهِ
مثلي بمصرَ وأنت مالكُ رِقِّهِ ... مثلُ العُقابِ مُفَرَّداً في نِيقهِ
ومنها:
والله حَلْفَةَ صادقٍ بَرٍ بها ... يُضْطَرُّ سامعُها إلى تصديقه
لو كنتُ أَرضَى الشِّعرَ خطَّةَ فاضلٍ ... لجعلتُ عِرْضَكَ روضةً لأنيقهِ
ومنها:
إنّ الحديثَ صلاحُه بصلاحِ مُنْهيه ... كذاك فُسُوقُه بفسوقِه
والصيرفيُّ يبينُ عند محكِّهِ ... كم بين خالصِهِ إلى سَتُّوقِه
ولقد أشاعَ الناس أنك في الورى ... من ليس يَنْفقُ باطلٌ في سوقه
أَبْطِلْ بنورِ العقل سلطانَ الهوى ... واعملْ بكلِّ الجهد في تَطْليقه
فأجابه الصالح بن رزيك بقصيدة منها:
نفق التأدُّبُ عندنا في سُوقِهِ ... وبدا اليقينُ لنا بلَمْعِ بروقهِ
أَهدى ليَ القاضي الفقيهُ عرائساً ... فيها بديعُ الوشي من تنميقه
فأجلْتُ طَرْفِي في بديعِ رياضه ... من ورده وبَهارِهِ وشقيقه
فكأنما اجتمع الأحبّةُ فانبرتْ ... يدُ عاشقٍ تهْوِي إلى معشوقه
أَدَبٌ سعى منه إلى غاياتهِ ... وأَتى فَسَدَّ عليه مَرَّ طريقه
ولقد علمتُ بأن فضلَكَ سابق ... يُعْتَدُّ مَنْ جاراهُ مِنْ مَسْبوقه
فلذا اقتصرتُ ولم أَرَ الإِمعانَ في ... شأوِ امرىءٍ أصبحتُ غيرَ مطيقه
وأَرى الزمان جرى على عاداته ... في جمعه طوراً وفي تفريقه
والشوقُ في قلبي تضرَّمَ وهْجُهُ ... فمتى أراه يكفُّ عن تحريقه
والدمعُ من عيني يَسُحُّ فهل يُرَى ... من بحره يوماً نجاةُ غريقه
نَزَّهْتُ في بستانِ نظمك ناظري ... فَحَظِيتُ من زَهْرِ الرُّبَى بأنيقه
يات من تَدُلُّ فنونُ ما يأتي به ... من حَلْيِ مَنْطِقِه على توفيقه
أنت امرؤٌ مَن قال فيك مقالةَ ... الغالي فكلُّ الخلقِ في تصديقه
وأَنا أَرَى تقديمَ حاجةِ صاحبي ... من دون حاجاتي أَقلَّ حقوقه
وكذا الكريمُ فمهمِلٌ لأموره ... لا مُهمِلٌ أبداً أُمورَ صديقه
هذا النجاحُ، فكل ما قد رُمْتَهُ ... قد تمَّ فانظرْ منه في تحقيقه
[محمد بن هانىء]
هو أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مفضل الأزدي الأندلسي موضعه مع شعراء الأندلس واتفق إيراده ها هنا وينسب إلى ابن هانىء المغربي الأندلسي.
كان في العصر الأقرب، وهو معروفٌ بالنظم المهذب، وتوفي في آخر أيام الصالح بن رزيك قبل سنة ستين، على ما سمعته من المصريين، وطالعت ديوانه بمصر فنقلت منه ما انتقدته، وعقلت ما عقدته، ونسخت ما نسخ السرح، ونسج الزهر، وانحلت العقود الصحيحة لنسيم شمال أسحاره، وتمثلت العقول الصاحية لتسنيم شمول عقاره. ووجدت له على قافية الهمزة من قصيدة:
سَدَلَتْ غدائرَ شعرِها أَسماءُ ... وَسَرَتْ فما شَعَرَتْ بها الرُّقَبَاءُ
والليلُ تحت سَنَا الصباحِ كأَسودٍ ... وَضَحَتْ عليه عِمَامةٌ بيضاء
زارتْ نُعَاماها وزارَ خيالها ... فتيمَّمَتْ بكليهما تَيْماءُ
ومشتْ تميس يجرُّ فضلَ ذيولها ... دِعْصٌ يميلُ، وبانةٌ غَنَّاء
هُنَّ المها يحوي كناسُ قلوبنا ... منهن ما لا تحتوي السِّيراءُ
يُوحِشْنَ أفئدةً وهنَّ أَوانِسٌ ... ويرُعْنَ آساداً وهنّ ظباء
وتحولُ دون قبابها هنديةٌ ... بيضاءُ، أو يَزَنِيَّةٌ سمراء
ومنها في المخلص:
لأُمَزِّقَنَّ حشا الدُّجُنَّةِ نحوها ... والليلُ قد دَهِمَتْ به الدهْناءُ
في متن زنجيِّ الأَديمِ كأنما ... صَبَغْتهُ مما خاضَها الظلماء