وكم ضاحكٍ لك أحشاؤه ... تَمنَّاك أَن لو لَقِيتَ الحِماما
وقال:
ليس حظي من الحبائب إلا ... لوعةٌ أو تأسُّفٌ أو غَرَامُ
حَكَّموا البَيْن والهوى فيَّ لما ... علموا أنَّني بهم مُسْتَهامُ
أنا راضٍ فليصنعوا ما أرادوا ... كلُّ صبر عنهم عليَّ حرامُ
هُمْ رجائي وهم نهاية سُولي ... وهمُ بُرْء مُهْجَتي والسلام
وقال:
أَيَّ صبر تركتمُ ... ليَ لما رَحَلتُمُ
لي فؤادٌ متيَّمٌ ... سائرٌ حيث سرتمُ
أنا في كل حالة ... عَبْدكم إن رضيتمُ
ثابتٌ تحت حكمكم ... جُرْتُمُ أو عَدَلْتُمُ
فبحقِّ الهوى المبرِّح ... إِمَّا رَحِمْتُمُ
وديوان شعره كبير وقد انتخبنا منه ما صفا، وأوردنا ما كفى، وهو على هذا النفس، والنمط السلس، وهو مما انطبع في سمع الطبع، وانتظم نظم الودع، وتوقد بدهن الذهن، ولم يخل مع ذلك من وهن اللحن، سهل اللفظ، مقبول في سبيل الوعظ، يستخلص القبول، ويسترقص العقول.
جماعة ذكرهم ابن الزبير في مجموعه
أبو عبد الله محمد بن مسلم بن سلاح
من شعراء مصر، القريبي العصر. ذكره أبو الصلت في حديقته، ونقلت من مجموع المهذب بن الزبير هذه الأبيات من قصيدته:
يغالبُني حكمُ الفِرَاقِ فَيَغْلِبُ ... ويَقْتَادُ شَمْلِي للبعاد فَيُصْحِبُ
وتَأْمَنُ أوطاني اجتنابي فقلما ... يُطيل لها عُمْرَ الأماني التَّجَنُّبُ
كأنَّ حراماً أن يرى الشَّمْلَ جامعاً ... زمانٌ بتفريق الأحبَّة مُعْجَبُ
لقد آن أن تُقْصَى لُبَانَةُ مُؤْمِنٍ ... بوَصْلٍ ويدنو نازحٌ متجنِّبُ
وأن أَثْنَيَ العَزْمَ المصاحب للنَّوَى ... إلى أَوْبَةٍ نحو الأحبة تُقْرِبُ
عسى الرَّحِمُ اللاتي أطالَ أُوَامها ... عقوقي من ماء المبرَّةِ تَشْرَبُ
فقد أخذ الهجرانُ منها نَصِيبَه ... فما بال هذا الوصل ليس يُنَصَّبُ
وله
لي عنك في حَرْب الزمان وسَلْمِهِ ... وتجارب الأيام أعْظَمُ مُشْغَلِ
أنا كالحسام بصفحتيهِ رقة ... في العَيْنِ وهْوَ يَحُزُّ حَدَّ المَفْصِل
لو ساعدتني من زمان خُلَّةٌ ... وَهي الغِنى أدركتُ أَقْصى المأمَل
أو كان لي حظُّ الجهول فإنه ... رَأْسُ الفضيلة في الزمان الأرذل
[ابن منكلان التنيسي]
كان قبل سنة خمسمائة، له:
ولم أدر أن الشيخ بَغَّا لأنني ... غريبٌ ولي عن أن أسائلَهُ بُدُّ
وأَوْجَبَ حالُ الوقت ذكرى لفَيْشَتِي ... فمالَ إلى نحوي بلحيته يَشْدُو
وحدَّثْتَنِي يا سَعْدُ عنهم فزِدْتَني ... جنوناً فَزِدْنِي من حديثك يا سَعْدُ
وأنشدت له:
عِمَّةٌ من نَسِيجِ رَفَّاءٍ شَعْرِى ... مَزَّقَتْهُ من الزمان الحُتُوفُ
هَوَ شَيْءٌ وفي الحقيقة لا شيءَ ... فرأسي مُعَمَّمٌ مَكْشُوفُ
وله في شريف يوكل في الحكم:
أيا شريفاً سَيِّىءَ الخُلْقِ ... مُسْتَقْبَحَ الخِلْقَةِ والخَلْقِ
كم تنصر الباطلَ ظلماً وما ... تُحْسِنُ أَنْ تَدْخُلَ في الحقِّ
تأخذ أرزاقَ بني آدمٍ ... أأنت مخلوقٌ بلا رِزْقِ
[أبو عبد الله]
[محمد بن بركات النحوي المصري]
كان في عصرنا الأقرب، وهو نحوي مصر والمغرب. له:
يا عُنُقَ الإبريق من فضَّةٍ ... ويا قَوَامَ الغُصُنِ الرَّطْبِ
هَبْكَ تجافيتَ وأقصيتني ... تقدر أَنْ تَخْرُجَ من قلبي
قال القاضي الفاضل: ليس له أحسن من هذين البيتين، وذكره ابن الزبير في الجنان وقال: كان عالي المحل في النحو واللغة وسائر فنون الأدب، منحطاً في الشعر إلى أدنى الرتب.
علي بن عباد الاسكندري