وملَّكَتْ رِقِّي ... لمُكْمِلِ الصُّنْعِ
دافع عن رزقي ... في موطن الدَّفع
لمّا سعى إيتاغْ دهريَ في دَحضي ... أنقذني إنقاذ مَنْ هَمُّه حِفظي
ذو المنطق الصَّائبْ ... في حومةِ الفصْلِ
ذكاؤه الثّاقِبْ ... يَجِلُّ عن مِثْلِ
فهو الفتى الغالبْ ... كلَّ ذَوي النُّبْلِ
مَنْ عَمْرو والصّاحِبْ ... ومَن أبو الفضلِ
لا يستوي الأَفراغْ بواحِد الأرض ... أين من الأزاذ نُفايَةَ المَظِّ
يا أَيُّها الصَّدْرُ ... فُتَّ الورى وَصفا
قد مَسَّني الضُّرُّ ... والحالُ ما تخفى
وعبدُك الدَّهرُ ... يَسُومني خَسفا
وليس لي عُذْرُ ... ما دُمْتَ لي كَهْفا
مِن صَرفِ دَهرٍ طاغْ أَنَّى له أُغْضي ... مَنْ بكَ أَمْسى عاذْ لم يَخْشَ من بَهْظِ
قد كنتُ ذا إنفاق ... أيّامَ مَيسوري
فَعِيلَ لمّا ضاقْ ... رِزقيَ، تدبيري
والعُسْرُ بي قد حاقْ ... عَقيبَ تَبذير
يا قاسِمَ الأَرزاقْ ... فارْثِ لِتَقتيري
لا زِلْتَ كهْفَ الباغْ ودُمْتَ في خَفْضِ ... أمرُكَ للإنْفاذ والسَّعدُ في لَظِّ
قد حافظ على حروف الغين والضاد والذال والظّاء وتكلَّف لها وما قصَّر فيها.
أبو عبد الله محمد بن علي بن البواب
الموصلي النجار
ذكره تاج الدين البلَطيّ النَّحَويّ في مصر سنة اثنتين وسبعين وذكر أنه كان معلِّماً له، وهو الآن ابن ثمانين سنة، وذكر أنه يروي له مُقطَّعات حسنة، فمن ذلك ما أنشدنيه في والده:
لي أَبٌ كلُّ ما به يوصف النّا ... سُ من الخير فهو منه مُبَرّا
فهو كالصِّلِّ من بنات الأفاعي ... كلّما زاد عمره زاد شَرّا
وأنشدني له أيضاً:
أَدِرْها لقد قام السرورُ على رِجْلِ ... وحُكِّمَ جيشُ الجهل في عالم العقل
وله في عميدٍ وُلّي بغير اختيار النّاس:
فرُكِّبَت العِمادةُ فيه عُنفاً ... كتركيب الخِلافة في يزيد
أبو العبّاس أحمد بن عيسى التّموزيّ
ذكره التاج البلَطي النَّحْوي وذكر أنه أَضَرَّ على كِبَر، وهو مع فقره ذو فِقَر، كان في عُنفوان عمره معلِّماً ببلاد الهكّاريّة، وهو اليوم يقرأُ في الجنائز، ويقعد على القبور مع العجائز، وهو فقيه قد قرأَ على أَسعد، وأَتْهَم في طلب العلم وانجد، وله شِعر فيه روح، وصدرٌ لنظم النُّكَتِ الحِسان مَشروح، فمِمّا أنشدنيه من شعره قوله يذمّ حماته وكان قد مضى إلى بلَط وتزوّج بها:
عجِبْتُ من زَلَّتي ومِن غلَطي ... لمّا رأيت الزَّواجَ في بلَطِ
ومِن حَماةٍ تَزيدُ شِرَّتُها ... على كريمٍ، حِلفِ الكِرامِ، وَطِي
سُمِّيتِ زَهراءَ يا ظلامُ ويا ... تارِكَةَ الجارِ غيرَ مُغْتَبِطِ
في وجهها ألفُ عُقدةٍ غَضَباً ... عليَّ حتى كأنَّني نبَطِي
أقولُ والنّفسُ غيرُ طَيِّبَةٍ ... بِلُطْفِ قَولٍ ولفظِ مُنبَسِطِ
لها أعيدي الذي أخذْتُ فما ... خُطَّةُِ أَمثالِكُم على خُطَطي
وذكر أنه أكرى داره من تركيّ اسمه مكحول دافعه بأجرتها، ومانعه عن حُجْرتها، فعمِل في القاضي تاج الدين الشهرزوري قصيدةً منها يذمُّ فاقته ويشكو إضاقته:
لقد أصبح التَّعليقُ عِندي مُعلَّقاً ... عليه لِفأْر البيتِ مَرعىً ومَلْعَبُ
ولو وجدَتْ شيئاً سِواه لما جَنَتْ ... عليه ولكن سَوْرَةُ الجوع تَغلِبُ