وأَهْوَنَ ما أَلقى من الوجدِ أَنَّه ... صدودُ دلال، لا صدودُ مَلاَلِ
هذا من قول العباس بن الأحنف:
لو كنتِ عاتبةً لسَكَّنَ لوعتي ... أَملي رضاكِ وزرتُ غيرَ مُراقبِ
لكن صددتِ فلم تَكُنْ لِي حيلةٌ ... صدُّ المَلول خلافُ صدِّ العاتب
ولمروان:
ما بالُ قلبك يستكينُ ... أَبِهِ غرامٌ أمْ جنونُ
بَرِحَ الخفاءُ بما يُجِنُّ ... فَأَذْهَبَ الشكَّ اليقين
حتى متى بينَ الجوا ... نحِ والضلوعِ هوىً دفين
وإلى متى قلبي المتيّمُ ... في يدِ البَلْوَى رَهين
يا ماطِلي بديونِ قلبي ... آنَ أنْ تُقْضَى الديون
شَخَصَتْ له فيك العيو ... ن وقُسِّمَتْ فيكَ الظنون
وسلبتَ أَلْبابَ الوَرَى ... بلواحظٍ فيها فُتُونُ
وقَوامِ أَغصانِ الرّيا ... ض وأين تدركُكَ الغصون
الحسنُ في الأغصان فنٌّ ... وهْو في هذا فنونُ
من أين للأغصان ذا ... ك الغُنْجُ والسِّحْرُ المبين
أَمْ ذلك الوَرْدُ الجَنِيُّ ... بخدِّه واليَاسَمِين
ومنهم من يقول وهو:
[أبو إسحاق إبراهيم بن شعيب]
إذا حلَّ محمودٌ بأرضٍ فإنه ... يُفَجِّر فيها من ندى كَفِّهِ عَيْنَا
فتنبت نَوْراً مشبهاً لِهبَاتِهِ ... ترى ورقاً بعضاً وبعضاً تَرَى عَيْنَا
وقد مضى ذكره.
وأنشدني الفقيه أبو الفتح نصر بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن علي بن الحسين الفزاري الإسكندري قال: أنشدني إبراهيم بن شعيب لنفسه، وأورده أبو الصلت في رسالته:
يا ذا الذي يُنْفِقُ أموالَهُ ... في حبِّ هذا الأَسمرِ الفائقِ
ما الذهبُ الصامتُ مستنكَراً ... ذهابُهُ في الذهبِ الناطق
وذكره الرشيد بن الزبير في كتابه، وقال: كان غريب الفكاهة، حلو الدعابة، ينقاد أبداً بزمام الخلاعة والمجون، ويرى أن باذل النفس في اللذة غير مغبون، ويشهد بذلك قوله في البيتين السابقين.
وحكى بعض خلطائه أنه جمعه وإياه مجلس أنس في منظرةٍ مطلةٍ على النيل وقد منطقت جدرانها بالماء، وكللت شرفاتها بنجوم السماء، فلما أخذت منه حميا العقار، وعملت فيه نغم الأوتار، هفا به جناح الطرب، إلى أن وثب، منشداً:
هذا مقامُ مُذْهَبُ ... لكلِّ همٍ مُذْهِبُ
يجلُّ عن وصفِ الورى ... فاغتنموهُ واشرَبوا
ثم رمى بنفسه في النيل فاستنقذ منه بعد جهد جهيد.
ومنهم:
[الناجي المصري]
أورده أبو الصلت في رسالته؛ له في حمام:
حَمَّامنا هذا أشدُّ ضرورةً ... ممن يحلُّ بهِ إلى حَمَّام
تبيضُّ أبدَانُ الوَرَى في غيره ... ويُعِيرُها هذا ثيابَ سُخَام
قد كنتُ من سامٍ فحين دخلتُهُ ... لشقاءِ جَدِّي رَدَّني من حام
وأورد الرشيد بن الزبير للناجي في كتاب الجنان في هجو الأفضل:
قُل لابن بدرٍ مقالَ من صَدَقَهْ ... لا تفرحنْ بالوزارةِ الخَلَقَهْ
إن كنتَ قد نِلْتَها مُرَاغَمَةً ... فهي على الكلب بعدكمْ صَدَقَهْ
وأمر الأفضل بنفيه إلى واح، فأقام بها عند المُقَرَّب بن ماضي يمدحه، ويأخذ جوائزه، ثم هجاه بقوله:
ما عَلَمُ الدولةِ إلاّ امرؤٌ ... لا يعرفُ الشكرَ ولا الحمدا
لو دخلَ الحمامَ من لُؤْمهِ ... في الصيف لم يَعْرَقْ ولم يَنْدَا
فعرف ذلك ونذر دمه، فهرب منه إلى أن ضاقت به سعة الفضاء، ورده إليه حكم القضاء، فقبل اعتذاره، وأقال عثاره، وأجازه بألف دينار، على أن لا يجاوره في دار.
وله في الرشيد بن الزبير:
جارَى أبو الحسنِ الرشيدُ لداتهِ ... فأَتى على الأَعقاب وهو إِمام
منها:
رَحَلَتْ ركابُكَ فاكفهرَّ الخَلْفُ من ... غَمَّائه واستبشَرَ القُدَّامُ
والأَرْضُ تَحْظَى بالرجالِ وإنما ... نَعماؤها وشقاؤُها أقْسَام
وله باليمن في الأمير مفضل بن أبي البركات الحميري: