كم قد أَفَضْتَ عليَّ مِن نِعَمٍ ... كم قد سَتَرْتَ عليَّ مِن زَلَلِ
إنْ لم يكن لي ما ألوذُ به ... يومَ الحسابِ فإنَّ عَفْوَكَ لي
وعبد الواحد أبو الهيثم، أخو أبي العلاء وله شعرٌ، منه في الشمعة:
وذاتِ لونٍ كَلَوْني في تغَيُّرِهِ ... وأَدمُعٍ كدموعي في تحَدُّرِها
سهرتُ ليلي وباتَتْ بي مُسَهَّدَةً ... كأنَّ ناظِرَها في قلبِ مُسْهِرِها
ولعبد الواحد أيضاً:
قالوا تراه سلا لأنّ جفونَهُ ... ضَنَّتْ عَشِيَّةَ بَيْنِنا بدموعِها
ومنَ العجائبِ أنْ تفيضَ مَدامِعٌ ... نارُ الغرامِ تُشَبُّ في يَنبوعِها
والذين هم من أهل هذا العصر من شرط كتابنا هذا من ولد محمد أخي المعري أبي العلاء أولهم:
[القاضي أبو المجد]
محمد بن عبد الله بن محمد أبي المجد أخي أبي العلاء بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المُطهِّر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أنور بن أرقم بن أسحم بن النعمان، وهو الساطع وسمي بذلك لجماله، بن عديّ بن عبد غطفان بن عمرو بن بَريح بن جَذيمة بن تَيْم اللات، وهو مجتمَع تَنوخ. وتمام النسب مذكور في نسب أبي يعلى بن أبي حُصَيْن فإنهما مجتمعان في داود بن المطهّر.
ذكر لي ابن ابنه القاضي أبو اليسر الكاتب أنه كان فاضلاً أديباً، فقيهاً أريباً، نبيهاً لبيباً، مفتياً على مذهب الشافعي رضي الله عنه قاضياً بالمعرة إلى أن دخلها الفرنج خذلهم الله تعالى في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة فانتقل إلى شيزر وأقام بها مدة، ثم انتقل إلى حماة وأقام بها إلى أن مات في محرّم سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، ومولده سنة أربعين وأربعمائة، وأدرك عم أبيه أبا العلاء، وقرأ عليه أشعاره ومصنفاته وأخبرني أن له ديوان شعر ورسائل.
ومن منثور كلامه: الصنعة مُحكمة، والمرجِّمون كثير، والدلائل قائمة على الصانع، والسعادة والشقاء سابقان، والفكرة حسيرة، والعاقل كالجاهل تحت القدر، والحريص تَعِب، وجِماع الخيرات مراقبة الله، والشرع أولى مُتَّبَع، والخير حميد، والشر وخيم، وأخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلَّم من اقتدى بها اهتدى ونجا من الحَيرة والضلال، وليس للعِرض ثمن يكافيه، والسؤال ثمن النوال، وسعة الأخلاق رحمة من الخلاّق، والصبر عَونٌ حاضر، والقناعة ثروة لا تنفد، ولتكن لك نفس ترفعك عن دَنيّات الأمور، وعِرض ينجو بك من ذم الناس، وصدق يستريح إليه من يخشى الكذب؛ وحافظ على دينك حفاظ الخيل على موضعها من الأرض، وإياك والجزع على ما فات، والتفريط فيما بقي؛ ودافِع ما لا بدّ منه من غدٍ إلى غدٍ فإن الدهر لا يُعتِب في فعله، ولا تجمع على من ضيّع أمره ولا تُمكِّن فيه الفُرص في كل وقت، ولا تدنِّس المروءة فإنها تجمع أبواب المحاسن وتؤلف بين أشتات الفضائل. من عظُمتْ في نفسه الدنيا صغُر عند الله وعند الناس قدرُه.
ومن شعره ما أنشدنيه أبو اليسر الكاتب لجدِّه هذا أبي المجد:
رأيتُكَ في نومي كأنّكَ مُعرِضٌ ... مَلالاً، فداويْتُ المَلالةَ بالتَّرْكِ
وأصبحتُ أبغي شاهداً فعدِمتُه ... فعُدتُ فغلَّبْتُ اليقين على الشكِّ
وعهدي بصُحْفِ الودِّ تُنْشَرُ بيننا ... فإنْ طُوِيَتْ فاجعلْ خِتامَكَ بالمِسكِ
لئن كانت الأيام أبلى جديدُها ... جديدي، ورَدَّتْ من رحيبٍ إلى ضَنْكِ
فما أنا إلا السيفُ أخلَقَ جَفْنُه ... وليس بمأمونِ الغِرارِ على الفَتكِ
وأنشدني أيضاً له:
وقفتُ بالدارِ وقد غُيِّرَتْ ... معالِمٌ منها وآثارُ
فقلتُ والقلبُ به لَوْعَةٌ ... تحرقُه، والدمعُ مِدرارُ
أَيْنَ زمانٌ فيكِ قَضَيْتُه ... وأين سُكّانُكِ يا دارُ
وأنشدني له بعض أهل المعرة:
جَسَّ الطبيبُ يدي جَهْلاً، فقلتُ له: ... إليك عني، فإنّ اليوم بُحْراني
فقال لي: ما الذي تشكو، فقلتُ له: ... إني هَوِيتُ، لجَهلي، بعضَ جيراني
فقامَ يَعْجَبُ من جهلي، وقال لهمْ: ... إنسان سَوْءٍ فداووه بإنسانِ