للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنشدني الأمير مُؤيّد الدولة أسامة بن مُرْشد بن مُنقذ بدمشق سنة إحدى وسبعين قال أنشدني القاضي أبو المجد لنفسه:

وقائلةٍ، رَأَتْ شَيْبَاً علاني: ... عَهِدْتُكَ في قميصِ صِباً بديعِ

فقلتُ وهل تَرَيْنَ سوى هَشيمٍ ... إذا جاوزتِ أيامَ الربيعِ

قال الأمير أسامة: لما فارق أهله بالمعرة وبقي منفرداً وله غلام اسمه شَعْيَا فقال:

زمانٌ غاض أهلُ الفضلِ فيه ... فَسُقْياً للحِمام به ورُعْيا

أسارى بين أتراكٍ ورومٍ ... وفَقدِ أحبّةٍ ورِفاقِ شَعْيَا

قال وقد سبقه إلى هذا المعنى الوزير المغربي فإنه لما تغيرت عليه الوزارة وتغرّب كان معه غلام اسمه داهر فقال:

كفى حَزَنَاً أني مقيمٌ ببلدةٍ ... يُعلِّلُني، بعد الأحبّةِ، داهرُ

يحدِّثني ممّا يُجَمِّعُ عَقْلُه ... أحاديثَ منها مستقيمٌ وجائر

قال الأمير أسامة: ولما بُليت بفُرقة الأهل كتبت إلى أخي أستطرد بغلامَيْ أبي المجد والوزير المغربي اللذين ذكراهما في شعرهما:

أصبحتُ بعدَك يا شقيق النفسِ في ... بَحرٍ من الهمِّ المُبرِّح زاخِرِ

مُتفَرِّداً بالهمّ، مَن لي ساعةً ... برفاقِ شَعْيَا أو عُلالةِ داهرِ

وناولني القاضي أبو اليسر الكاتب كرّاسة بخط جده أبي المجد من مسوّدات شعره كتبها وقد أناف على الثمانين، فنقلتُ منها على ترتيب حروف المعجم ما انتخبته. فمن ذلك قوله: الهمزة

تولَّى الحكمَ بينَ النّاس قومٌ ... بهم نزلَ البلاءُ من السّماء

كأنَّهمُ الذِّئابُ إذا تعاوتْ ... سَواغِبُها على آثار شاءِ

يقولُ القائلونَ إذا رأَوهُم ... لقد جارَ القضاءُ على القضاءِ

وقوله:

قال الطبيبُ أرى سَقامَكَ من دَمٍ ... فأجَبْتُهُ ما بي سوى الصَّفراءِ

وأطالَ في أوصافِه، فعذَرْتُهُ ... في جهلهِ، إذ ليسَ يعلَمُ دائي

قُمْ يا طبيبُ فليسَ طِبُّكَ كاشفاً ... ضُرِّي ولا هذا الدَّواءُ دوائي

وقوله:

غدَرَ الزَّمانُ بنا فغَيَّرَ وُدَّه ... مَنْ كانَ يُعرَفُ بالصَّفاء إخاؤُهُ

وإذا حكَتْ أفعالُهُمْ أفعالَهُ ... فهو الزَّمانُ وكلُّهُم أبناؤُهُ

وكذاكَ عادتُهُ وعادةُ أهلهِ ... فمُريدُ صِدقهما يطولُ عناؤه

فلأصبِرَنَّ على أليم سِهامِه ... وسهامه وإن استمرَّ بلاؤه

الألف وقوله:

صَدَّ الهوى عنّي فواصَلَني الأسى ... وخَفيتُ حتّى ما أَبينُ من الضَّنا

ويُطيلُ عَذْلي جاهلٌ أنَّ الهوى ... ليست تجوزُ عليه أحكامُ النُّهى

ومن الدَّليل على اقتِداريَ أنَّني ... أرضى من التَّسويف ما لا يُرْتَضى

وقوله:

أَأَحْبابَنا كنتُ أرجو اللِّقا ... وآمُلُ أَلاّ تَشُطَّ النَّوى

فقد حال من دون ذاكَ الزَّمانُ ... وطالَ طالَ عليَّ المدى

ومُضمَرُ حُبِّكُمُ لا يُذاعُ ... فلا تَعكِسوا لفظَه في الحَشا

الباء

قالت رأيتُكَ لمْ تَشِبْ ... والشَّيبُ يُسرِعُ في المُحِبِّ

فأجَبْتُها يا هذه ... ما الذَّنْبُ إنْ أَنْصَفْتِ ذَنبي

أنتِ التي عَوَّقْتِ جَيْ ... شَ الشَّيبِ عن رأسي بقلبي

وقوله:

وقائلَةٍ ما بالُ ليلِكَ ساهراً ... وقد نامَ فيه كلُّ ذي شَجَنٍ صَبِّ

فقلتُ لها كيف السَّبيلُ إلى الكَرى ... وفي بلدةٍ جسمي وفي غيرها قلبي

الثاء وقوله:

تُرى مَجْمَعُ الحَيِّ الذينَ صحِبتُهُمْ ... على عهدِنا أمْ غَيَّرَتْهُ الحوادثُ

وهل يَبرُدُ الشَّوقَ الذي ضَرَّمَ الحشا ... بنار الأسى أنْ يَنْفُثَ البَثَّ نافِثُ

وهل يرجِعَنْ ذاكَ الزَّمانُ وطِيبُه ... وأيَّامُهُ المُسْتَعْذَباتُ الدَّمائثُ

الجيم وله:

<<  <  ج: ص:  >  >>