كم لفُرسانِ الليالي ... فيهمُ مِن شَنِّ غارهْ
واغتيالٍ غال ضِرْغا ... ماً وأخْلى منه غارهْ
وله:
لا تَجْمَعوا المالَ للأحْداث إنْ طَرَقَتْ ... إنَّ الحوادث في أموالكم سُوسُ
وليس يَغْفُلُ عن إحرازَ مَنْقَبةٍ ... تُبْقي عليه بمالٍ من له سُوسُ
وله:
رأيتُ أبناءَ ذي الدُّنيا كأنّهمُ ... من التَّغَلْغُلِ في إفسادهم فارُ
كالماءِ هُوناً فإن أَذْلَلْتَهم خَمِدوا ... وإنْ شَرارةَ عِزٍّ أدركوا فاروا
الشيخ العالم محمد بن عبد الملك الفارقيّ
بغدادي الدار، إنتقل إليها في صباه، فريد عصره، ووحيد دهره، وأنموذج السلف الصالح، كلماته مُغتنَمة، وألفاظه مُقتبَسة، وغرره مأثورة، وعقود كلامه حلي أهل الفضل، وأقراط أسماع ذوي الأدب، تعقد الخناصر على فصوص فصوله، وتُشرَح الصدور بمنثوره ومقوله، يتكلم على الناس كل يوم جمعة في جامع القصر ببغداد، ويكتب كل ما يورد، وقد دُوِّن من بدائع فكره، وموشيّات خاطره، شيءٌ كثير، وسنورد من كلامه لُمَعاً يُستدلّ به على صفاء روحه، وخلوص رُوعه، أنشدني لنفسه يوم الجمعة ثامن عشر شهر الله الأصم رجب من سنة إحدى وستين في منزله وتوفي بعد ذلك بسُنَيّات.
انْتقدْ جَوْهَريّةَ الإنسانِ ... والذي فيه من فُنون المعاني
خَلِّ عنك الأسماء واطَّرِحِ الألْقابَ وانظر إلى المعاني الحِسانِ
وقال: الألقاب، سرابٌ بقِيعة الإعجاب، ورعونة النفس القانعة بالقِشر عن اللباب. وأنشدني لبعض الأدباء وكتبتها من فوائده، ذكرها في جملة كلام له:
أخي خَلِّ حَيِّزَ ذي باطِلٍ ... وكُن للحقائق في حَيِّزِ
فما نحن إلاّ خطوطٌ وَقَعْنَ ... على نُقطةٍ وَقْعَ مُسْتَوْفِزِ
يُزاحم هذا لهذا على ... أقَلَّ مِن الكَلِم المُوجَزِ
مُحيطُ السَّماوات أَوْلَى بنا ... فماذا التردُّدُ في المَرْكَز
وقال: إن الوردة إذا فتحت عينها ترى الأشواك قد اكتنفتها من سائر حياتها فتقول: سبحان من خلَّص لطافتي من بين هذه الدغائل.
وقال: لا يُعدّ الحكيم حكيماً حتى يرى أن الحياة تسترقُّه، والموت يُعتقه. وقد أوردت له كلمات آسيات كالمات، عظات موقظات، كأنها آيات بيّنات، تُحلّى بها ترائب الأفهام، وهي عقد الخريدة، وعقد الجريدة، وذلك ما حُفظ عنه وهو يتكلم على الناس في مواعظه ومجالسه فمن ذلك قوله: اللهم إنّا نعوذ بجلالك من حركات الهوى وسكنات البلادة والسهو، اللهم أزل عن النفوس وحشة ظلمة الجهالة، بإشراق نور العلم والمعرفة. العطيّة للمؤمن مطيّة، وللمنافق بليّة. النواظر صوارم مشهورة فأغمِدها في غمد الغضّ والحياء من نظر المولى، وإلاّ جرحك بها عدو الهوى. إجعل النعمة سُلّم الوُصْلة، مِرقاة القُربة، مرآة البصيرة، مصفاة السريرة، معراج الهمّة، مفتاح باب الفطنة، أُمرتَ بأن تُحلّل عن قلبك عُقَد المألوفات وأنت تُحكم عَقْدَها، وتبرم شدّها.
وقال في أثناء وعظه وبغداذ في الحصار: عساكر الأقضية والأقدار، محدقة بأسوار الأعمار، تهدمها بمعاول الليل والنهار، فلو أضاء لنا مصباح الاعتبار، لم يبق لنا في جميع أوقاتنا سكون ولا قرار، الوقت كالحلقة كلما جاءت تتضايق، عُمرك كالدائرة، وروحك كالنقطة في وسطها، في كل وقت تتضايق دائرة عمرك إلى أن تنضم على نقطة روحك، فتسدّ مَعين ماء حياتك، فينقطع عن سقي مزارع أعضائك، ويُصَوِّح نبتُ قواك وآلاتك، الخلوة لقومٍ طُور، ولقوم غرور، الخلوة الصافية أن يخلو همُّك، عن غير مُهمّك، تعرف عقول الرجال في تصاريفهم وتصانيفهم.
ومن أدعيته: