للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللهمّ أطلِع ثمار الأماني من أغصان آمالنا، ولُمَّ بلطفك شعث أحوالنا، إلهي قَبَضَ عجزي روح نشاطي، وطوى ثوب انبعاثي وانبساطي، أخلقت ملابسُ الشبيبة، وَهَنَ عظم العزيمة، شابت لِمّةُ الهمة، غلب شنجُ العجز على عصب العزم، رَثَّ ثوب الحياة، عجز قدمُ البقاء عن الثبات، اقشعرّت جِلدة الجلَد، حان الانقلاب إلى دار الأبد، قُدِّمت معابر العبر، ليُعبَر بها من دار الغِيَر، إلى دار النعيم الأرغد الأنضر، دار السلام، ومنزل الدوام، العريّة عن عوارض العلل والأسقام، لا تنظروا إلى المجازيات الزائلات، انظروا إلى الحقائق الدائمات، المجازيات مشارع الحسّ يكرع من أُجاجها، ويغرق في أمواجها، والحقائق مراقي القلب يُعرج في معراجها، ويرقى في منهاجها، سبحان من جعل مضارب أطناب مخيّم الوجود، ومرسى قواعد قبة الكون، ومثبت قدم صورة الدنيا، على متون رياح هفّافة تهبّ من مهابّ المهابة بين صُدُفَيْ شِعْب الأبد والأزل، والماضي والمستقبل، تسحب أذيال نسائمها على صحراء صفحات الوجود، فتثير الهوامد الركود، لقبول إفاضة الكرم والجود، وتوقظ وَسْنان الكيمان، لنشر نسل الحَدَثان، ويظهر مستور الغيب إلى العيان، وتُفصَّل جمله في أوراق الأوقات وصحائف الأزمان، تِنّين الفناء قد ابتلع معظم عمرك وهو في اجترار باقيه، وأنت غافل عن تقضّيه وتناهيه، والموت اجتناء ثمر معانيك من أغصان مبانيك، اجتهد أن لا يجيء المُجتنى وثمارك فجّة ما فيها بلوغ المعرفة، المعارف مياه تنبع من غامض معين الغيب، في منافذ الإلهام، إلى مصبّ القلب، وتُطرح في حوض الحفظ، فتخرج من أنبوب اللسان، ومخارج النطق والبيان، الرجل من يتصرّف في الأشياء ولا تتصرف الأشياء فيه، لا تغفل عن سياقة ماء الشكر إلى غروس الإنعام، فإنك إن غفلت صوَّحتْ رياض الإحسان، الجاهل الغرّ أبداً همّته إلى تصفية زجاجة صورته، وشراب روحه فيها كدر مُرّ مَقِرّ، اللهم سلِّم القلوب من سموم الهموم، بدِرياق الثقة بالرزق المقدور المقسوم، اللهم سلّم النفوس من نفثات سواحر الزخارف، برُقى التقى وعُوَذ المعارف، اللهم لا تعذّب أرواحنا، بهموم أشباحنا، العلوم النافعة، ما كانت للهمم رافعة، وللأهواء قامعة، وللشكوك صارفة دافعة، العلوم النافعة والأعمال الصالحة نسلُ الهمم الشريفة، وذريّة الفِطَن اللطيفة، القلوب العُقم ما لها ذرية الحكمة ولا نسل الفضيلة، لعُنَّةِ الهمّة، وفجاجة الفطنة، وخدَر العزيمة، أرضها سبخة، ما تنعقد فيها حبوب الحكم، ولا تطلع فيها زهرات المعارف والفطن، الأنفاس رُشْحُ ماءِ الحياة من إناء العمر، كلّ نفس رشحة وجذبة. قروض الأرواح تُسترجَع تفاريق إلى أن تُستوفى الجملة:

أرواحُنا عندنا قُروضٌ ... والموتُ قد جَدَّ في التَّقاضي

لا بُدَّ من رَدِّ ما اقْترضْنا ... كلُّ لبيبٍ بذاك راضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>