للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا قدم الوداد، وصح الاعتقاد، وصفت الضمائر، وخلصت السرائر، حل الإخاء المكتسب محل أخوة النسب، وصار المتعاقدان على الإيثار، والمتحابان على بعد الدار، متساهمين فيما ساء وسر، ومتشاركين فيما نفع وضر، وتلك حالي وحال حضرة مولاي، فإني وإياها كنفسٍ قسمت على جسمين، وروح فرقت بين شخصين، فأما ألمها فقد مضى وأزعجني، وأما برءها فقد سرني وأبهجني، وعرفت خبر إبلالها، من ألمٍ كان بها، فشكرت الله على خلتين معاً، ونفعين اجتمعا، أحدهما أنني لو كنت أعلم تألمها، لكنت ألاقي ما يكدر الشراب، ويمنع تلاقي الأهداب، وأجد على حال الصحة ما يجد المريض، وأرى الدنيا على آثارها بعين البغيض، والآخر علمي ببرءها عند حلوله، ومعرفتي به عند تخييمه بساحتها ونزوله.

من تهنئة بولد: وردت البشارة السيارة بالقادم الأمجد، المستقبل بالطالع الأسعد، فأخذ المملوك من المسرة بأوفر حظ الأولياء، الملخصين في الولاء، المغمورين بجزيل الآلاء، وسأل الله سبحانه تخليد الأيام المالكية، مديدة الأمد، وافرة العدد، نامية الأهل والولد، حتى ترى هذا المبشر بقدومه ممتطياً صهوات الجياد، مخوف الشد يوم الجلاد، يخفق وراءه اللواء، وتخاف سطوته الأعداء، وتحصن البلاد بقواضبه، وتشنف الأسماع بذكر مناقبه، وترى من أولاده أمجاداً عن الإسلام ذادة، وأملاكاً لأملاك البلاد سادة، لا زالت تبلغ أقصى الأماني، وتسمع نغم التهاني، وتمد ظلها على القاصي والداني.

ومن أخرى: حتى ترى نسل هذا المولود أقمار تمٍ تضيء هالاتها، وآساد غيلٍ تخاف غاباتها، وصوارم بأسٍ يحذر غربها، وأنواء جودٍ تهطل سحبها.

تهنئة بظفر: الحمد لله الذي فضل دولة أمير المؤمنين على سائر الدول، كما فضل ملة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الملل، وجعل أيامه واضحة الحجول والغرر، مخصوصةً بالفتوح والظفر، يخفق النصر على بنوده، وتسير السعادة أمام جنوده، ويقابل الأقدار في جحافلها، وتصبح الملائكة الأبرار من قبائلها، فما يتوجه من جيوشه جيشٌ إلا والتأييد يقدمه، والقدرة تخدمه، والدهر يؤازره، والنصرة تضافره. نهنىء بهذا الفتح الذي ضحكت به الدنيا عن مباسمها، وتجلت به شموس النصر عن غمائمها، ونسأل الله أن يجعل الأرض قبضة يده، والأفلاك الجارية من أعوانه وعدده، وكل يوم من أيامه موفياً على أمسه، مقصراً عن غده، الفتح الذي نكست به رءوس ذوي الشقاق، وقطع به دوابر أهل الخلاف والنفاق، ورجفت به أكباد الأعداء رهباً وجزعاً، وتضعضعت به أركان الباطل خوفاً وهلعاً، وأصبح الإسلام به عزيز الجناب، فسيح الرحاب، منصور الأعوان والأحزاب، والدولة فاخرةً على الدول، بالغةً أقصى الأمل، يخفق النصر في أعلامها، ويحفها الظفر من ورائها وأمامها.

من تهنئة بفتحك أعز الله سلطان الحضرة وهنأها ما منحها من الشرف الأثير، والذكر النابه الخطير، من الظفر بالفلانيين على اشتداد أسرهم، واستفحال أمرهم، وانبساط يدهم، وتكاثر عددهم، وتناكص المقدمين عنهم، وجزع الناس منهم. لا جرم أن المجلس العالي لما رأى شأنهم يتفاقم، وخطبهم يتعاظم، نقد رؤساء دولته نقد الصيرف الخبير وقلب مقدمي مملكته بطرف العارف البصير، ولم ير كفلان ألم ولا أدفع للخطب ولا أسد للخرق، ولا أرتق للفتق، ولا أخبر بتدبير الجحافل ولا أهجم على شفار المناصل، ولا أثبت في صدور الأعداء، ولا آثر في نفوس الأولياء، ولاأعرف بمجاري أمور الحرب، ولا أثبت جأشاً عند اختلاف الطعن والضرب، ولا أكثر اجتهاداً وتشميراً ولا أمضى رأياً وتدبيراً، ولا أيسر على الأبطال، ولا أحق بالتقدم على سائر الرجال، ولا أثبت في مواقف النزال، ولا أسرع إجابةً حين تدعى نزال. رأوا في عجاجها سحابة موت تهطل بالنكال، وتمطر نوافذ النصال، وتومض عن بوارق تشعشع بالصقال، وتقطع عرى الآجال، ونار بأسٍ تلفح القلوب، وتضرم الخطوب، وتدني الأجل المكتوب، فأصبحوا بين ناكصٍ على العقب، ومجدلٍ في الأرض تربٍ، ومرملٍ بدمائه، ومجرعٍ غصص ذمائه، وهاربٍ والأرض تحصبه، والآفات تطلبه، يخاف من ظل طرفه، ويرى المنية نصب طرفه. وأقشعت الحومة والدهر إليها باسم، والنصر عليها قادم، والظفر مسطورٌ بجبينها، والسعادة مخيمةٌ عن يمينها، والإسلام لسعيها شاكرٌ، والدين لجهادها منيرٌ زاهرٌ.

ومن أخرى:

<<  <  ج: ص:  >  >>