إذا جال أَنساكَ الرِّجالَ بظُفره ... وإنْ صال أنساكَ النِّصال بنابه
فكم من عروشٍ ثلَّها بشُبوبه ... وكم من جيوشٍ فلَّها بشبابه
ومن أُمَمٍ ما أُوزِعَتْ شُكرَ عَذبه ... فصبَّ عليها الله سَوطَ عذابه
وأشهد لمْ تسلَمْ حلاوة شُهده ... لِصابٍ إليه من مَرارة صابه
مُبيدٌ مَباديه تَغُرُّ، وإنَّما ... عواقبه مختومةٌ بعِقابه
ألَمْ ترَ مَن ساس الممالكَ قادراً ... وسارت ملوك الأرض تحت رِكابه
ودانت له الدُّنيا وكادت تُجِلُّه ... على شُهْبِها لولا خُمودُ شِهابه
أَليس أتاه كالأتِيِّ حِمامُه ... وفاجأَه ما لم يكن في حِسابه
ولم يخش من أعوانه وعُيونه ... ولا ارتاع من حُجّابه وحِجابه
لقد أسلمتْه حِصْنُه وحَصونه ... غداةَ غدا عن كَسبه باكتسابه
فلا فِضَّةٌ أنجتْهُ عند انقضاضه ... ولا ذَهَبٌ أنجاه عند ذَهابه
فحَلَّتْ شِمالُ الحَيْنِ تأليف شَمله ... وعَفَّت جُنوب البين إلْفَ جنابه
وغُودِرَ شِلواً في الضَّريح مُلحَّباً ... وحيداً إلى يوم المآب لما به
يترجِمُ عنه بالفَناء فِناؤه ... وما أَوْحشَتْ من سُوحِه ورِحابه
وعرِّجْ على الغَضِّ الشَّباب برَمسِه ... وسائلْه عن صُنع الثَّرى بشَبابه
ففي صَمته تحت الجُيوب إشارةٌ ... تُجيب بما يُغني الفتى عن جوابه
سلا شخصَه وُرّاثُه بتُراثه ... وأَفْرَده أترابُه في تُرابه
وأعجَبُ من دهري، وعُجْبُ ذوي الفَنا ... لعَمرُكَ فيه من عجيب عُجابه
وحتّى متى عَتبي عليه ولم يزَلْ ... يَزيد أذى مَن زادَه في عِتابه
إذا كنتُ لا أخشى زئير سِباعه ... فحتّامَ يُغري بي نَبيحَ كِلابه
يُناصبُني مَن لا تَزيد شهادة ... عليه سوى بُغضي بلؤم نِصابه
إذا اغْتابَني فاشْكُرْهُ عنّي فإنَّما ... يُقَرِّظُ مِثلي مِثلُه باغتيابه
ويرتاب بالفضل الذي غمرَ الورى ... وفي بعضه لو شئتَ كَشفُ ارتِيابه
ويَنحَس شِعري إنْ دبَغْتُ إهابهُ ... بهَجوي فقد نزَّهْته عن إهابه
وله من قصيدة مبدؤها في الشيب:
إذا كان مِن فَودي وَميضُ البَوارِقِ ... فمِنْ مُقلتي فَيضُ الغُيوثِ الدَّوافقِ
تبسَّم هذا الشيبُ عند نزوله ... تبسُّمَ مَظنونِ الفؤاد منافِق
شَنْئْتُ نجومَ الليل من أجْل لونه ... وأبغَضْتُ من جرّاه يوم الحدائق
على أنّه في زَعمه غير كاذبٍ ... خلاف شبابٍ زَعمه غيرُ صادق
وأحسَب أنَّ الصِّدق أوجبَ كونَهُ ... كثير الأعادي أو قليل الأصادق
تمسَّك بميعاد المَشيب وعهدِه ... وكنْ بمَواثيق الصِّبا غير واثق
ومنها:
أيا دهرُ قد شيَّبْتَ قلبي وناظري ... فأهونُ ما عندي مَشيبُ مَفارِقي
أَعندك أَنّي أَيُّها الدَّهرُ واهِنٌ ... وقد ذَرَّ في إلفِ النّوائب شارِقي
ومنها في وصف الفرس:
أَغَرُّ دَجوجِيٌّ كأَنَّ سَبيبه ... جناحا غرابٍ أُودِعا صدرَ باشِقِ
جوادٌ على حُبِّ القلوب مُحَكَّمٌ ... يُبين بحسن الخَلْق عن صُنع خالق
بهيجٌ يَهيجُ السّامعين صهيلُهُ ... ويُشعِرُ أنَّ العِزَّ خوضُ الفيالق
ومنها في وصف السيف:
وفي يَمنَتي ماضي الغِرار كأنَّه ... إذا اخترطَتْه الكَفُّ إيماضُ بارق
له ضِحْكُ مَسرورٍ ودَمعةُ ثاكِلٍ ... وعِزَّةُ مَعشوقٍ وذِلَة عاشق
يُسِرُّ قديمَ الحِقدِ وهو مُلاطِفٌ ... ويْبطِنُ في السّلسال نار الصَّواعق