للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أمسيتُ ذا سَقَم ... كأني خيط إبراه

وأحسدُ منه ذاك الخي ... طَ فازَ برِيِّ رِيقتهِ

قال: هذا البيت الأخير للسديد أبي القاسم الكاتب. ولابن مماتي هذا في قصيدة عملها هذا السديد لاميةٌ مفيدة أوردتها في شعره:

تبكي قوافي الشعر لاميةً ... بَيَّضْتَهَا من حيث سَوَّدْتَهَا

لما علا وسواسُ ألفاظها ... ظننتَها جُنَّتْ فقيدْتَهَا

وقال:

أراكمُ كحباب الكأسِ منتظماً ... فما أرى جمعكمْ إِلا على قَدَحِ

وقال:

لقد مرَّ لي في مصرَ يومٌ وليلةٌ ... هما في مُحَيَّا الدهرِ كالسِّحْر في الطَرْفِ

وما فيهما والله عيبٌ وإنما ... تولاهما عُجْبٌ فذابا من الظَّرْف

وقال:

ما صرت أَجسرُ أن أبكي لفرقتهمْ ... لأنهم زعموا أن البكا فَرَجُ

وقال:

أحبابَنا والذي يقضي بأُلفتِنَا ... بعد الفراقِ ويُخْلِينَا من الفَرَق

ما زلتُ أخبط في عشواءَ مظلمةٍ ... من بعدكمْ وأبيعُ النومَ بالأرق

حتى ثويتُ بنارِ الشوق في حُرَقٍ ... وصرت أُشْرِفُ من دمعي على الغَرَقِ

فمتعوني ولو ليلاً بطيفكمُ ... ما دمتُ أقدرُ من روحي على رَمَقِ

وقال في ذم العذار:

إذا طلع العذارُ فقد فقدنا ... لذاذةَ عيشنا الأَرِجِ البهيج

لأَنَّ الغصنَ لا يخضرُّ حتى ... يصيرَ بأصله مثلُ الوشيج

وقال يصف البق:

تكاد بقرصِ البقِّ تتلفُ مهجتي ... إذا لم أُجِدْ من ثوب جلدي التخلُّصَا

ومن أعجب الأشياءِ في البقِّ أنها ... على الجسم سُمَّاقٌ وتُنبِتُ حِمَّصَا

ونظمتني وإياه سفرة في خدمة الملك الناصر إلى ثغري دمياط والإسكندرية فوصلنا إلى ترعٍ وخلجان ومخاضاتٍ وغدرانٍ فقال بديهاً:

لو أطلق الدمعَ مشتاقٌ ومدَّكِرُ ... لمن يحب لأَشْفَيْنَا على الغرَقِ

لكنما هذه الخلجانُ مُتْأَقَةٌ ... لأنها رَشْحُ ما يَعْصِي من الْحدَقِ

وأنشدني لنفسه أيضاً قوله وقد ألم بذم العذار:

يا عاذلي، جلُّ ناري ... من خدِّه الجلّنَارِي

وريقه كشرابٍ ... معتَّقٍ ذي شرار

ولحظه فيَّ أَمضى ... من الْحِرَابِ الْحِراَر

كالريم ريمَ لصيدٍ ... فصارَ حِلْفَ حِذَارِ

يهوى الدنانير لما ... تشابهتْ بالبهار

وإن رأى قلبَ صبٍّ ... رعاه رعي العَرَار

وليس ربَّ عذارٍ ... يطولُ فيه اعتذاري

إن الغرام صَغَارٌ ... ما لم يكن بالصِّغَار

ومنها في المدح:

له يسارُ يمين ... إزاء يُمْن يسارِ

وقال في وصف مخدة في بيت ابن سناء الملك:

وسادةٍ لَمَحَتْ عيني بدارهمُ ... وِسَادةَ رُقِمَتْ أَمناً من الأَرَقِ

حكمُ السرور بها يقضي السكونَ لها ... كأنها عُوذَةٌ من جِنَّةِ الفلق

أَحْسِنْ بها روضةً ليس النسيم بها ... ولا المياهُ سوى الأنفاسِ والعَرَقِ

يحيا بناظرها إنسانُ ناظرها ... ففي حديقتها مَنٌّ عَلَى الحدق

لو لم تكن سَرَقَتْ من وجه مالكها ... محاسناً ظهرت، لمْ تُدْعَ بالسَّرَق

وقال مما كتبه إلى السديد علم الرؤساء أبي القاسم، وكان قد اقتضى منه ديوان رسائله، فاعتذر إليه بالخوف من نقده:

إن قلبي من شقة البين يخشى ... وفؤادي من شِقْوَة البين يَخْشَعْ

ومقامي يقضي بطولِ سقامي ... إذْ لحاظي من قبلِ تطمحُ تَطْمَعْ

وغُدُوِّي فيما يَسُرُّ عدوّي ... ويُريه من القِلَى ما توقَّعْ

ولقد عِيلَ في الصبابة صبري ... فإلى كم أسيرُ في غير مَهْيَع

أنا صبٌّ بغادةٍ تشبه الطا ... ووس إذ كان حسنها يتنوَّع

<<  <  ج: ص:  >  >>