للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رحلتم على أنَّ القلوبَ ديارُكمْ ... وأنَّكم فيها، على النّأْي سُكّان

يقول أُناس بحْتَ بالشَّوق، والحِجى ... دليلاه فعلٌ يقتضيه وكتمان

فقلتُ خَفِيُّ الشوق للمرء جَهْرةٌ ... طِباعاً وسِرُّ الحبِّ للمرء إعلان

بنفسي حبيبٌ فاتن الطرف أَحْوَرٌ ... شهيّ الثَّنايا فاتر الطَّرف وَسنان

ترقرقَ ماء الحسن في صحن خدِّه ... ليُسقى به غصنٌ من البان ريّان

إذا ما أذاعتْ بالسِّرار لِحاظُه ... إلى اللبِّ لبّاها من اللبِّ إذعان

عَرَفتُ به عكس القضيَّة في الهوى ... فمنه وصالٌ لي ومنِّيَ هِجرانُ

أَبَنْتُ له عند الوَداع تَجَلُّدي ... ولي كبدٌ حرَّى به وهو حيران

وما باختيار المرء تشعَبُ نِيَّةٌ ... فتبرَحُ أَوطارٌ وتَنزح أوطان

عسى مَوردٌ من ماء جَوشَن ناقعٌ ... فإني إلى تلك الموارد ظمآن

تُجاذبني عن عَزمةٍ الهجر هِجرَةٌ ... ويُوبِقني من طاعة الصبر عِصيان

أحِنُّ حنين الوالهات إليكُمُ ... وتمنعني منكم خطوبٌ وأزمان

زيادة حدّي نقصُ جدّي وإنّما ... زيادة فضل المرء للحَظِّ نقصان

وما كلُّ إنسان ينال مراده ... ويسعدُه فيما يحاولُ إمكان

وعيشُ الفتى طعمانِ حُلْوٌ وعلْقَمٌ ... كما حاله قِسمان رِزقٌ وحِرمان

وأمنيّة الإنسان رائد نفسه ... وراضٍ بأفعال الزَّمان وغضبان

وما كلُّ نظّارٍ بناظِرِ فكرِه ... وما كلُّ من يهديه نَهْجٌ وتِبيان

سأُعمِلُ نَصَّ العِيس تَذرَعُ بوعُها ... تنائِفَ لا إنسٌ بهنَّ ولا جان

وأَدَّرِعُ الليل البهيمَ وأمتطي ... عزائمَ ترجوها صِفاح وخُرصان

فإنَّ الهُوَينا للهَوان أَمارةٌ ... إذا لم يكن عن قدرة المرء عُدوان

أبا حسنٍ ما انفكَّ يأْتي مُواتِراً ... إليَّ جميلٌ من نَداك وإحسان

مَلَكْتَ به منّي ثناءً ثنيتُه ... فسارت به في البرِّ والبحر رُكبان

شكرتُك شُكر الأرض للغيث واصباً ... أصابَ ثراها منه سَحٌّ وتَهتان

تحلَّت بأنواع الرِّياض كأنَّها ... تجلَّت لعين الدَّهر، فالدَّهر جَذلان

وإنّي على إسهابه لَمُقَصِّرٌ ... ويَبْسُطُ عُذراً للمُقصِّر عِرفان

أَخذْنا بأقسام الفضيلة بيننا ... فإن كنت سَحباناً فإنَّكَ لقمان

لقد وَجدتْ منك الأمانةُ كافياً ... بها وافياً إن معشَرٌ عهدَها خانوا

حَصيفٌ إذا خَفّوا، عفيفٌ إذا عَفَوْا ... عَيوفٌ إذا اشتفّوا، أمينٌ إذا مانوا

بلغتَ من العلياء أشرفَ منزلٍ ... يُقصِّرُ عن كونٍ بنجواه كيوان

دلَلْتَ على أخلاقِكَ الغُرِّ بالذي ... فعلتَ من المعروف، والفعلُ عُنوان

وأَلسنةُ الأقوام في البعد كتْبُهُمْ ... تَناجى بها عند اللُّبانةِ أَذهان

فصِلْني بكُتْبٍ تشْفِني بوصولِها ... فإنِّي إليها شَيِّقُ القلب ولهان

فلا عدِمَتْ منك المكارمُ نِسبةً ... فإنَّك من طرْف المكارم إنسان

وقوله:

غرامٌ على طول البِعاد يزيدُ ... وحبٌّ على مرِّ الزَّمان جديد

وصبرٌ إذا حاولتُ أَثني عِنانَه ... لِيُصْحِبَ طَوعاً صدّ وهو كنود

أَبى القلبُ إلاّ أن يُتَيِّمَهُ الهوى ... ويُسلِمَه التَّذكار فهو عَميد

فرَتْهُ على نأْي المنازل وَفرَةٌ ... وجاد عليه بالصّبابة جِيد

<<  <  ج: ص:  >  >>