للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَكْرَرْتَ نَفْسَكَ أن تسعى مُصَادفةً ... وَسُمْتنيهِ لَقَدْ كلَّفْتَني شطَطا

لا تكذبنّ فما كُنَّا لنوجبَ مِنْ ... حَقٍ وأنت تراهُ عنكَ قد سَقَطا

لو بعتكَ النفسَ بيعاً كنتَ تملكها ... به عليَّ لكان العدلُ مُشْتَرَطَا

فهل سبيلٌ إلى أن لا تواصِلَنِي ... ولا تُكَلِّفَ مثلي هذه الخططا

عسى صحيفةُ ما بيني وبينك أَنْ ... تُطْوَى وما ضُمِّنَتْ غيرَ الذي فَرَطَا

وله في صدر رسالة:

أتى كتابُكَ عن شَحْطٍ فآنسنِي ... بما تَضَمَّنَ أُنْسَ العَيْنِ بالوَسَنِ

قرأتُهُ فجرتْ في كل جارحةٍ ... مني معانيه جَرْيَ الماءِ في الغُصُن

فما أقولُ بعثتَ الرَّوْحَ فيه إلى ... قلبي، ولكن بَعَثْتَ الرُّوحَ في بدني

وله في شدة أصابته:

يا مستجيبَ دعاءِ المستجيرِ به ... ويا مُفَرِّجَ ليلِ الكُرْبَةِ الداجي

قد أُرْتِجَتْ دوننا الأبوابُ وامتنعتْ ... وجَلَّ بابُكَ عن مَنْعٍ وإِرْتَاج

نخافُ عَدْلَك أَن يجري القضاءُ به ... ونرتجيك فكنْ للخائف الراجي

وله

يا نفسُ صبراً واحتساباً إنها ... غمراتُ أَيام تمرُّ وتنجلِي

في الله هُلْكُكِ إِنْ هَلَكْتِ حميدةً ... وعليه أَجْرُكِ فاصْبِرِي وتَوَكَّلي

لا تَيْأَسِي من رَوْح ربِّكِ واحْذَري ... أَنء تستقرِّي بالقنوط فَتُخْذَلي

ولو توجد له في الغزل إلا أبيات يسيرة منها:

وفَتُوكِ سِحْرِ المقلتين يصولُ مِنْ ... لَحَظاتِهِنَّ على القلوب بِمُرْهَفِ

حَيَّيْتُ نَدْماني بوردةِ خَدِّهِ ... ورشفتُ من فيه مُجَاجَة قَرْقَف

ونزعتُ عنه ما تَعَلَّقَ ثوبُهُ ... مني هناك سوى تُقىً وتعفُّف

وملام عاذلةٍ قد ابتكرتْ به ... سَحَراً إِلى سَجْعِ الحَمامِ الهُتَّف

يا هذه أسرفتِ في عَذْلِي وما ... لعزيمتي عن وجهها من مَصْرَف

فخذي إليك اللومَ عني إِنَّ لي ... نبأً سيُعْرَفُ بعد هذا الموقف

لأَصافِحَنَّ يدَ الخطوبِ برحلةٍ ... تَجْلُو دُجُنَّتَها بِغُرَّةِ يوسف

ثم طالعت ديوان ابن النضر بمصر فجبيت هذه الدرر من أصدافه، وجنيت هذه الثمر من قطافه، واجتليت هذه الغرر من ألطافه، فمن ذلك قوله من قصيدة:

كتبتُ عن شَمْلِ أُنْسٍ غيرِ ملتئمٍ ... حتى اللقاءِ وشَعْبٍ غيرِ مُنْشَعِبِ

وإِنَّ للبين كفّاً غيرَ وانيةٍ ... تظلُّ تَجْمَع بي جمعاً وتقذفُ بي

ومنها:

لو أَنَّ أنملةَ المقدار تكتبُهُ ... في صفحة الدهر لم يَبْلُغْ مدى أَرَبي

وقوله من أخرى في الزهد:

النفسُ أَكرمُ موضعاً ... من أَنْ تُدَنّسَ بالذنوبِ

ما لذةُ الدنيا لها ... ثمناً وإنْ مُزِجَتْ بطيبِ

فاسبقْ إلى إعداد زا ... دِكَ هَجْمَةَ الأَجَل القريب

والقَ الإله على التُّقَى ... والخوفِ مَزْرُورَ الجيوب

وقوله من أخرى في ذم الغربة:

أرى غُرْبَة الإنسان أُخْتَ وفاته ... ولو نالَ فيها مُنْتَهى طلباتهِ

فلا يشتري الدنيا ببلدته امرؤٌ ... فليس عزيزاً في سوى عَرَصَاتهِ

ومنها في ذم الأناة ومدح بعض الطيش:

نَدِمتُ على أني ثَبَتُّ وربما ... جَنَى ندماً للمرءِ بعضُ ثَبَاتهِ

يُزَيِّنُ أَفعالَ الفتى بعضُ طيشه ... ويُزْرِي بفعلِ المرءِ بعضُ أَناتهِ

وقوله من قصيدة في المدح:

أَكرِمْ به بَدْرَ تِمٍ جاءَ تكنفه ... شُهْبُ الأَسِنَّةِ في سُحْبٍ من الرهَج

تُعْمِي بَوارِقُها الأبصارَ لامعةً ... كما يُصِمُّ تَوَالي رَعْدِها الهَزِجِ

مُشمِّرُ الذيلِ يُبْدِي عن نصيحته ... مُواشكاً يَصِلُ الرَّوْحاتِ بالدَّلَج

<<  <  ج: ص:  >  >>