للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحاول خطةً فيها شماسٌ ... على أمثاله وبها نِفار

هل الحسبُ الفتيُّ بمستقلٍ ... إذا ما عزَّهُ الحسب النضار

أتتك بحائنٍ قدماه سعياً ... كما يَسْعَى إلى الأَسدِ الحمار

وشان قرينَه لما أتاه ... كما قد شان أَسرته قُدَارُ

وأنشدني بمصر ولده القاضي الأشرف أبو البركات عبد القوي لوالده الجليس من قطعةٍ كتبها إلى ابن رزيك في مرضه يشكو طبيباً يقال له ابن السديد على سبيل المداعبة:

وأَصْلُ بليتي من قد غزاني ... من السقم المُلِحِّ بعَسْكَرَيْنِ

طبيب طِبُّهُ كغرابِ بين ... يفرِّقُ بين عافيتي وبيني

أَتى الحمى وقد شاخَتْ وباخَتْ ... فردَّ لها الشباب بنسختين

ودبرَها بتدبيرٍ لطيفٍ ... حكاهُ عن سنانٍ أو حُنين

وكانت نوبةً في كلِّ يومٍ ... فصيَّرها بحِذْقٍ نوبَتين

وأنشدني أيضاً لوالده في مدح طبيب:

يا وارثاً عن أَبٍ وجَدٍ ... فضيلةَ الطبِّ والسدادِ

وكاملاً ردَّ كلَّ نفسٍ ... هَمَّتْ عن الجسم بالبعاد

أُقسمُ أَنْ لو طببتَ دهراً ... لعادَ كوناً بلا فسادِ

ورأيت من كلامه في خطبة ديوان الصالح بن رزيك: هو الوزير الكافي والوزير الكافل، والملك الذي تلقى بذكره الكتائب، وتهزم باسمه الجحافل، ومن جدد رسوم المملكة، وقد كاد يخفيها دثورها، وعاد به إليها ضياؤها ونورها:

وقد خَفِيَتْ من قبله معجزاتُها ... فأَظهرها حتى أَقرَّ كَفُورُهَا

أَعَدْتَ إلى جسمِ الوزارة روحَهُ ... وما كان يُرْجَى بعثُها ونُشُورُها

أقامتْ زماناً عند غيرك طامثاً ... وهذا أوانُ قُرْئها وطَهُورها

من العدلِ أَن يحيا بها مُسْتَحِقُّها ... ويخلعها مردودةً مُسْتَعيرها

إذا خطبَ الحسناءَ من ليس أَهلَهَا ... أشارَ عليه بالطلاق مُشِيرُهَا

فقد نشرت أيامه مطوي الهمم، وأنشرت رفات الجود والكرم، ونفقت بدولته سوق الآداب بعد ما كسدت، وهبت ريح الفضل بعد ما ركدت. إذا لها الملوك بالقيان والمعازف، كان لهوه بالعلوم والمعارف، وإن عمروا أوقاتهم بالخمر والقمر، كانت أوقاته معمورةً بالنهي والأمر:

مليكٌ، إذَا أَلْهَى الملوكَ عن اللُّهَا ... خُمَارٌ، وخمرٌ، هاجَر الدَّلَّ والدَّنّا

ولم تُنْسه الأوتادَ أَوتار قينةٍ ... إِذا ما دعاه السيفُ لم يَثْنِهِ المَثْنَى

ولو جادَ بالدنيا وعادَ بضعفها ... لظنَّ من استصغاره أَنه ضَنَّا

ولا عيبَ في إِنعامه غيرَ أنّهُ ... إذا مَنَّ لم يُتْبِعْ مواهِبَهُ مَنَّا

ولا طعنَ في إقدامه غيرَ أنه ... لَبُوسٌ إلى حاجاته الضربَ والطَّعْنَا

لا شك أن هذه الأبيات لغيره.

ومن أبياته في الغزل:

ربَّ بيضٍ سللن باللحظ بيضاً ... مرهفاتٍ جفونُهُنَّ الجفونُ

وخدودٍ للدمعِ فيها خدودٌ ... وعيونٍ قد فاض منها عيونُ

وله:

تُرَى أَخْلَسَتْ فيه الفَلاَ بعضَ رَيَّاها ... ففاتَ فتيتَ المسكِ نشْرُ خُزَامَاها

أَلَمَّتْ بنا والليلُ يُزْهَى بلمة ... دجوجيَّةٍ لم يكتحلْ بعدُ فَوْدَاها

فأشرقَ ضوءُ الصبحِ وهْو جبينها ... وفاحتْ أزاهيرُ الرُّبا وهْيَ ريَّاها

إذا ما اجتنتْ من وجهها العينُ روضةً ... سَفَحْتُ خلالَ الروض بالدمع أمواها

وإني لأَستسقي السحابَ لربعها ... وإن لم تكن إلا ضلوعيَ مأْوَاها

إذا استعرتْ نارُ الأسى بين أضلعي ... نضحتُ على حرِّ الحشا بردَ ذكراها

وما بيَ أَنْ يَصْلَى الفؤادُ بحرِّهَا ... ويُضْرَمَ لولا أَنَّ في القلب مأواها

وله في غلام تركي:

ظبيٌ من الأَتراكِ أَجفانُهُ ... تسطو على الرامحِ والنابلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>