وأنشدني الشريف قطب الدين، محمد، بن الأقساسي، الكوفي ب بغداد، في ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وخمس مئة، قال: أنشدني المهذب، أبو القاسم، علي، بن محمد ب الموصل، في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمس مئة، ل حبشي، بن أبي طالب، ابن حبشي:
ما لي على صَرْف الزَّما ... نِ ورَيْبِه، يا صاحِ، أمرُ
لو كان ذلك، لم يَبِتْ ... خلفَ الثَّرى والتُّرْبِ حصرُ
واغتاله مع ذلك ال ... قَدّ الرَّشيقِ الغَضِّ عُمرُ
لكنَّ ليلَ صبَابتي ... مُذْ بانَ لا يتلوه فجرُ
ابن العودي النيلي أبو المعالي، سالم، بن علي، بن سلمان، بن علي، بن العودي، التغلبي.
شاب شبت له نار الذكاء، وكأنما شاب لنظمه صرف الصهباء، بصافي الماء، ونثر فيه شؤبوب الفصاحة، يسقي من ينشد شعره راح الراحة.
وردت واسطاً سنة خمسين وخمس مئة، فذكر لي أنه كان بها للاسترفاد، وقام في بعض الأيام ينشد خادم الخليفة فاتناً فسبقه غيره إلى الإنشاد، فقعد ولم يعد إليه، وسلم على رفده وعليه، وصمم عزم الرحيل، إلى وطنه ب النيل.
ولقيته بعد ذلك سنة أربع وخمسين ب الهمامية.
أنشدني القاضي عبد المنعم، بن مقبل، الواسطي له:
هُمُ أقعدوني في الهوى وأقاموا ... وأبلوا جُفوني بالسُّهاد وناموا
وهُمْ تركوني للعتاب دَرِيئةً ... أُؤَنَّبُ في حُبِّيهِمُ وأُلامُ
ولو أنصفوا في قسمة الحبّ بينَنا ... لَهامُوا، كما بي صَبْوَةٌ وهُيامُ
ولكنَّهمْ لمّا استدرّ لنا الهوى، ... كُرمْتُ بحفظي للوداد، ولاموا
ولمّا تنادَوْا للرَّحيل، وقوِّضت ... لِبَنْهِمِ ب الأَبْرَقَيْنِ خِيامُ،
رَميت بطَرْفي نحوَهم متأمِّلاً ... وفي القلب منّي لوعةٌ وضِرامُ
وعُدت وبي ممّا أُجِنُّ صَبابةٌ ... لها بينَ أَثناءِ الضُّلوع كِلامُ
إذا هاج بي وَجْدٌ وشوق، كأنَّما ... نضمَّن أعشارَ الفؤاد سهامُ
ولائمةٍ في الحبّ، قلت لها: اقْصِري ... فمثليَ لا يُسلي هواه ملامُ
أأسلو الهوى بعدَ المشيِب، ولم يزل ... يصاحبني مُذْ كنت وَهْوَ غُلام؟
ولمّا جزَعنا الرَّملَ، رملَ عُنَيْزَةٍ ... وناحت بأعلى الدَّوْحتين حَمامُ،
صبوتَ اشتياقاً، ثمَّ قلت لصاحبي: ... ألا إِنّما نَوحُ الحَمام حِمامُ
تجهَّزْ لبَيْنٍ، أو تَسَلَّ عن الهوى، ... فما لَكَ من ليلى الغَداةَ لمِامُ
وكيف تُرَجّي النَّيْلَ عندَ بخيلةٍ ... تُرام الثُّرَيّا، وَهْيَ ليس تُرامُ
مُهَفْهَفَةُ الأعطافِ: أَمّا جَبينُها ... فصبحٌ، وأَمّا فَرعُها فظلامُ
فيا ليت لي منها بلوغاً إلى المُنَى ... حلالاً، فإنْ لم يُقْضَ لي فحرامُ
وأنشدني الشريف قطب الدين، أبو يعلى، محمد، بن علي، ابن حمزة ب بغداد، في ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وخمس مئة، قال: أنشدني الربيب الأقساسي، أبو المعالي، بن العودي لنفسه، ب الكوفة، في منزلي، مستهل صفر سنة خمسين وخمس مئة:
ما حبَست الكتابَ عنك لهجر ... لا، ولا كان عبدُكم ذا تَجافِ
غيرَ أَنَّ الزَّمانَ يُحْدث للمَرْ ... ءِ أموراً، تُنْسيه كلَّ مُصافِ
شِيَمٌ، مَرَّتِ الليالي عليها، ... والليالي قليلةُ الإِنصافِ
قال: وأنشدني أيضاً لنفسه في التغزل بامرأة:
أبى القلب إِلا أمَّ فضلٍ وإن غدت ... تعدّ من النّصف الأخير لدِاتُها
لقد زادها عندي المشيبُ مَلاحةً ... وإن رغم الواشي وساء عُداتها
فإن غيَّرت منها الليالي، ففي الحشا ... لها حَرَق، ما تنطقي زَفَراتها
فما نال الدَّهر حتّى تكاملت ... كمالاً، وأعيا الواصفين صفاتها
سَبَتْني بفَرْع فاحم، وبمُقْلَة ... لها لَحَظات. . ما تُفَكُّ عُناتُها