للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا وحُبَّيْكَ لا عبدتُك سِرّا ... ليلُ صُدغَيْك صيّر اللّيل ظُهرا

وَضَح الأَمر واستوى الناس فيه ... وافتضحنا فالحمد لله شكرا

أَيّها الصاحيان من كأْس عَيْنٍ ... غازلْتني حتى تطفّحتُ سُكرا

أعُذراً إِن أَردتما أَو فَلُوما ... في بديعٍ، حسبي عِذاراه عُذْرا

واطلبا للجُحود غيري فإِني ... لست ممن يحبّ في الحبّ سَتْرا

أَنا مِنْ أَجل خدّه دِنتُ للنا ... ر، وفي خاله عبدت الشِّعْرى

فَضَلالي بَعْدَ الهدى في هواه ... هو عندي خيرٌ وأَعظم أَجرا

وحكى الفقيه عبد الوهاب، أنه كان مولعاً يعرف بابن العفريت وفي خده خال، وأكثر أشعاره في الخال، وقد ردد المعنى فيها، فأحسن ما أنشدني له في هذا المعنى:

أَنكرت مقلتُه سَفْكَ دمي ... وعلا وَجْنَتَه فاعترفتْ

لا تخالوا خالَه في خدّهِ ... نقطةً من صبغ جفن نطفتْ

تلك من نار فؤادي جذوةٌ ... فيه ساخت وانطفتْ ثم طفَتْ

وأَبدع المعنى في هذه الأبيات وأغرب:

عَطفوه فتمادى ولَها ... عَنْ حشاً أَسْعر الوَلَها

رَقَدَتْ مُقلتُه عن مقلةٍ ... أَمَر الدمعُ عليها ونها

قمرٌ ما طلَعت طلعتُه ... قطُّ إِلاّ سجد البدرُ لها

لهبيّ السُّخْط، مائيّ الرِّضى ... فهو المعشوق كيف اتّجها

نقش الحُسْن على وجنته ... شامةً، أَمتَ حُسّادي بها

كان قد أَعوزها بستانه ... ثم لما أَشرقت فيه انتهى

وأنشدني له من مقطوع مطبوع، بالرقة مشفوع، أطيب نظم في عصرنا مسموع، وأثبت شعر أثبت في مجموع، وهو:

يا بأَبي من وَصَلا ... وملّ ممّا مطَلا

زار وقد خاط الدُّجى ... على حُلاه حُلَلا

فكدتُ، إِجلالاً له ... أُدمي يديْه قُبَلا

فقلتُ: مولايَ أَلاَ ... غير اليدين؟ قال: لا

ودار ماءُ الحسن فوْ ... ق وَجْنتيْه خَجَلا

حتى إِذا سرّى سرى ... وحين أَحيا قتلا

كما حلا طيف الخيا ... ل نفساً ثم انجلا

يا حبَّذا ذاك الغزا ... لُ لو شفاني غَزَلا

فديتُ من أَبيت منه وعليه وَجِلا

بدرٌ إِذا البدر سرى ... فيه المحاق كَمُلا

شمسٌ إِذا الشمس خبت ... تحت الكسوف اشتعلا

إذا تلطفتُ قسا ... وإن سأَلتُ بخِلا

ليت اعتدال قدّه ... عَطفَهُ فعدَلا

بل ليت صَحْن خدّه ... من ذلك الخال خلا

فهو الذي قلّب قلبي في قَواليب البلا

يا سائلي عن الهوى ... وطعمِه سَلْ من سلا

أَسكرني الحب فما ... أَدري أَمرّ أَم حلا

ومن قطعة رقيقة، غريبة المعنى دقيقة، بالثناء عليها حقيقة، لا مجازاً بل عن حقيقة، وهي:

أَترى يَثْنيه عن قسوته ... خدُّه الذائب من رقّتِه

أَفأَستنجده وهو الذي ... لوّن الدّمعَ على صبغتِه

أَوَ ما حاجبُهُ حاجبَهُ ... إِن تجافى عن مدى جفوتهِ

فلهذا قَوْسُه موتَرةٌ ... تستمدّ النَّبلَ من مقلته

قمرٌ، لا فخر للبدر سوى ... أَنّه صيغ على صورتِه

صُدْغه كرْمةُ خمرٍ قسّمت ... بين خدّيه إِلى نكهتِه

فتَّرتْ جفنيْه منها نشوةٌ ... تُوقِظ العاذل من سَكرتِه

أَتخال الخال يعلو خدَّه ... نقطَ مِسكٍ ذاب من طُرّتِه

ذاك قلبي سُلبتْ حبّته ... واستوتْ خالاً على وجنتِه

ومن أخرى في هذا المعنى، أرق من الشكوى، وآنق من زخارف الدنيا، وأحسن من الحسنى:

عاتبته فاستطالا ... وصدّ عنّي دَلالا

وهكذا مَنْ تعالى ... في حسنه يتغالى

مولايَ قد ذُبتُ صبراً ... وكم تذيب مِطالا

ما كان عهدك إِلاّ ... مثل السلوّ محالا

<<  <  ج: ص:  >  >>