واعتدَّ شاذروانها بعساكرٍ ... لمعت جواشنها على فرسانها
وتقلَّدت أَجيادُها بقلائدٍ ... نُثرت نظائمُهنّ فوق جِرانها
وتضاحكت أفواهها بمباسمٍ ... تُرْوي مَراشفُها صَدى ظمآنها
بمروَّقٍ صاف كأَنَّ زُلاله ... مُتَدَفِّقٌ من راحتيْ سلطانها
سلطانِها الملك ابن أَيوب الذي ... كفّاه لا تنفك عن هطلانها
بمواهبٍ لو لم أكن نوحاً لما ... نُجّيتُ يوم نداه من طُوفانها
سَمْح يروح إلى النّدى براحةٍ ... قد أَعشب المعروف بين بَنانها
وفتىً إِذا زخَرت بحارُ نواله ... غرقت بحارُ الأَرض في خُلجانها
غيث يكُرّ من الظُّبى بصواعق ... ماء الرَّدى يجري على نيرانها
بصوارمٍ أَجفانها قِمم العِدى ... لا ما كساها القَيْنُ من أَجفانها
فضيّةٍ ذهبية فلُجَيْنها ... يختال يوم الرَّوع في عِقيانها
محمرّة بدم الفوارس خُضْرها ... فالوَرْد منثور على رَيْحانها
من كلّ لامعةٍ بليلِ قَتامها ... كالنّار لامعةٌ بليلِ دُهانها
تلك السيوف المُرْهَقات بكفّه ... أَمضى على الأَيّام من حدثانها
قُطُبٌ إِذا اقترنت كواكب بيضها ... بكريهةٍ كانت ردى أَقرانها
مهزوزةٌ للضرب في يد ماجدٍ ... ضرب أَطاح الروس عن أبدانها
ملك إِذا جُلِيتْ عرائس ملكه ... رصعت فريدَ العدل في تيجانها
وإِذا جحافله أَثَرْنَ سحائباً ... لمعت بُروق النصر في أَحضانها
من كل شهباء الحديد كأَنما الأَمواج مائجة على شجعانها
وكتيبةٍ كم قد كتبن لها الظُّبى ... كتباً يلوح العِزُّ من عُنوانها
وإِذا ذوابله هُزِزْن رأَيتها ... والموت مُشْتَمِلٌ على خِرصانها
من كلّ جاعلةٍ بكلِّ كريهةٍ ... رأسَ الفتى رأساً على جُثمانها
سمراء لا يثني حطيماً صدرّها ... إِلاّ ومن نَحْرٍ فمٌ للسانها
وإِذا صواهله مَزَعْن حسِبتها ... ما دقَّ يومَ الرَّوْع من أَرسانها
من كلَ سَلْهَبةٍ أَلحّ بها الطّوى ... حتى طواها الضُّمْر طيّ عِنانها
جرداء تطّرِح البروق إِذا دَنَتْ ... وتفوت ما قد فات من لمعانها
خيْلٌ هي العِقبان في طيرانها ... لا بل هي السِّيدان في عَسَلانها
فالشُّهْب ما حملتْه في أَرماحها ... والغُلْب ما نقلته في عَدَوانها
كم قُدْتَّهُنَّ أَبا المظفر ظافراً ... والأُسْدُ صائلةٌ على عِقْبانها
متواثباتٍ للطِّعان، فلا كبَتْ ... تلك العِتاق الجُرْد يومَ طِعانها
عثقِدتْ سبائبُهنّ بالهمم التي ... أَشطانُهُنّ تنوب عن أَشطانِها
هِمَمٌ رَقَتْ بك فارتقيت من العُلى ... رُتباً، مكانُ الشمس دونَ مكانها
أَقسمتُ ما هَدَّمْنَ أَركان العِدى ... إِلاّ بما شَيَّدْتَ من أَركانها
فكواكب الأَفلاك من خُدّامها ... وعصائب الأَملاك من اَعوانها
فلذاك بَهْرام إِلى بَهْرامها ... يُعْزى، وكِيوان إِلى كيوانها
فإِذا سَلَلَتْ سَللتَ بيض حِدادها ... وإِذا هززت هززت سُمْر لِدانها
فافْخر فلو رَوَّعْتَ روميةً بها ... خَرَّتْ كنائسها على رُهبانها
أَو لو بها صبّحتَ قُسطنطينةً ... خفّضتَ ما رَفعتْه من صُلبانها
فانهض إِلى فتح السواحل نهضةً ... قادتْ لك الأعداء بعد حِرانها
واسلم صلاحَ الدّين وابقَ لدولةٍ ... ذَلّت لدولتها ملوكُ زمانها
خضعتْ لها الشُّجْعان عند صِيالها ... وَعَنَتْ لها الأَقران عند قِرانها
فَلَكَ ابنَ أَيّوب بن شاذي ملكها الضّافي وللشّاني قذى شَنَآنها