فهم يقصدون البِرَّ في كلِّ وِجهةٍ ... ويجتلبونَ الأجر من كل مجلَب
لَبَرَّحَ بي شوقٌ على إثر ظاعنٍ ... مقيمٍ على حُكمِ القِلا والتَّجَنُّب
ومنها:
أَسُكّانَ مِصرَ هل إليكم لذي هوىً ... ولو في منام العَين وَجهُ تَقَرُّب
سقى جانب الوادي الذي عُقدَتْ به ... قِبابُكُمُ، صوبُ الحَيا المُتهدِّب
فروَّضَ من مَغناكُمُ كلَّ تَلْعَةٍ ... وطَفَّحَ من بطحائكم كلَّ مِذْنَب
وهبَّت لكم ريحُ الصَّبا بتحيَّةٍ ... أرقَّ من الشَّكوى إليكم وأعذب
ومنها:
خليليَّ من عُليا ربيعةَ مالنا ... عَقَقنا وكُنّا من أبرِّ بني أَبِ
رحلنا وخلَّينا أعِزَّةَ أهلنا ... يُراعونَ مَسْرى الطّارق المُتأَوِّب
وصرعى بأكناف الرِّحال كأنَّهمْ ... سُكارى ولم تُقرَعْ كؤوسٌ بأكؤبِ
يئنّونَ مِمّا أثخَنَ البينُ فيهمُ ... أنينَ أسيرِ الثائرينَ المُعذَّب
لهم بقدوم الرَّكْبِ أُنسٌ وغِبطةٌ ... وإن لم يكن من نحونا شَدُّ أركَب
فإن آنسوا ذِكراً رَمَوا بأكفِّهمْ ... إلى كلِّ قلبٍ في لظىً متقلِّب
وإن عاينوا منّا كتاباً تطالَعَتْ ... بَوادِرُ دمعٍ بالدِّماء مخضَّب
قصدنا لهم ضِدَّ الذي قصدوا له ... لقد عاقبتْ آراؤنا غيرَ مُذنِبِ
إلى أيِّ حيٍّ غيرهم أنا راحِلٌ ... وفي أَيِّ أهلٍ بعدهم مُتطلَّبي
أعاتبَ نفسي في اصطباري عنهمُ ... وأذهبُ في تأنيبها كلَّ مذهب
وإمّا رأى الأقوامُ مني تجلُّداً ... فما الشأن إلاّ في الضَّمير المُغيَّب
فكتب جوابَه إليه من مصر إلى حلب:
أتاني ومَنْ طابتْ به أرضُ يثربِ ... على شِدَّةِ البَلوى وطول التَّرقُّب
أمينٌ إذا ما استُودِعَ السّرَّ صانه ... وإن خانَ فيه كلُّ خِلٍّ مُهذَّب
فأكرِم به من زائرٍ متعَمِّدٍ ... وأحسِن به من واصلٍ مُتعَتِّب
سرَرْتُ به نفسي وأقرَرتُ ناظري ... وأكثَرتُ إعجابي به وتعجُّبي
وقبَّلْتُه في الحال ثم وضعتُه ... على كبدٍ حرَّى وقلبٍ معذَّب
وقابلت ما وافى به من تحيَّةٍ ... بما شئت من أهلٍ وسهلٍ ومَرحَب
وأَمَّلْتُ منه أن يُسَكِّنَ لوْعتي ... فهيَّجَ بَلبالي وزادَ تلهُّبي
ومنها:
أَأَحبابَ قلبي والذينَ أَوَدُّهُمْ ... وأَشتاقُهُمْ في كلِّ صبحٍ وغيهَب
بغير اختياري فاعلموا وإرادتي ... نزلتُ على حكم القِلا والتَّجَنُّب
رحلتُ بقلبٍ عنكمُ غيرِ راحلٍ ... وعِشتُ بعيشٍ بعدكم غيرِ طيِّب
لقد فلَّ غربي غُربَتي عن بلادكُم ... وأجرى غُروبَ العينِ مني تغَرّبي
وما زلتُ أصفيكم على القرب والنَّوى ... هواكُمْ وأرضاكمْ بظهر المُغَيَّب
فلا تحسبوا أَني تسلَّيتُ عنكمُ ... فما الهجر من شأني ولا الغدر مَذهبي
سعيتُ لكم سَعْيَ الكريمَ لأهله ... وما كلُّ ساعٍ في الأنام بمُنجِب
لعَمري لقد أبلغْتُ نفسيَ عُذرَها ... وإن كنتُ لم أَظفرْ بغايةِ مطلبي
وصاحبتُ أيّامي على السُّخطِ والرِّضى ... بعزمةِ مَصقولِ الغِرارَيْنِ مِقضَب
سقى حَلْباً جَودُ الغَوادي وجادَها ... وحيّا ثراها بالحَيا المُتحلِّب
بكلِّ مُلِثٍّ وَدْقُه غيرُ مُقلعٍ ... وكلُّ مُلِبٍّ بَرقُه غيرُ خُلَّب
ومنها:
وقد كنتُ قبلَ اليومِ جَلداً على النَّوى ... فهدَّ الأسى رُكني وضعضعَ مَنكِبي
فما وَجدُ مِقلاتٍ تذَكَّرُ بالضُّحى ... طَلاها ولا وَحشِيَّةٍ أُمِّ تَوْلَبِ