للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالس مدينة بالشام بين الرقة وحلب، معدن الذكاء والفهم، كثير الرقة واللطف في النّظم، محسن الشِّعر مُجيده، مقبول القول سديده، أوحد العصر فريده. حكى لي سيِّدنا الصفوة البالِسيّ المُعيدُ بالنِّظامِيَّة ببغداد في أواخر جُمادى الأولى سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة بها أن الفقيه مَعدان البالسي كان في زمان أبي بكر الشاشي تلميذه في النظامية يتفقَّه عليه فأنشده يوماً من قصيدةٍ مدحه فيها:

يا كعبةَ الفضل افْتِنا لِمْ لَمْ يَجِبْ ... فرضاً على قُصّادِكَ الإحرامُ

ولِما تُضَمِّخُ زائريكَ بطيب ما ... تُلقيه وهو على الحجيج حرامُ

ثمَّ طالعت ما صنَّفه أبو سعد عبد الكريم السَّمعاني، وسمّاه المُذيّل لتاريخ بغداد وذلك في سنة ست وخمسين وخمسمائة ببغداد وكان بعد التاريخ من مرو إلى بغداد قبلها بسنة، فقرأْت فيه تمام غزل هذه القصيدة قال: أنشدني أبو الحسن علي محمويَه اليَزْدِيّ قال: أنشدَنا الفقيه مَعدان البالسي لنفسه وقتَ التَّفقُّه يمدح شيخنا أبا بكرٍ الشّاشيّ:

نظرَ العواذلُ ما نظرتُ فهاموا ... من بعدِ ما عنُفوا عليَّ ولاموا

وعلَتْ لسُلطان الهوى عزَماتُهُم ... إذْ عنَّ جيشُ الحُسنِ وهو لُهامُ

أقول لعلَّه قال: وعنَتْ، لأجل التَّجنيس لكنَّ المَروي: وعلت.

وبه منَ الهِيفِ الرِّشاقِ ذَوابِلٌ ... ومنَ اللِّحاظِ صَوارِمٌ وسِهامُ

جَيْشٌ به ذَلَّتْ ضراغِمُ بِيشَةٍ ... عند اللِّقاءِ وعَزَّتِ الآرامُ

ما بَيْنَه إذ بثَّ رائعَ سِرْبه ... سرباً وبين الناظرينَ ذِمامُ

فاحْفظْ فؤادَك من نِصالِ ذوابلٍ ... إن أُشرِعَتْ لم يُنْجِ منها اللامُ

وغَريرةٍ إن سَلَّ صارِمَ لحظِها ... تيهُ الدَّلال ففي القلوب يُشامُ

أَدْمَاه مُغْزِلَة إذا ما بَغَّمَتْ ... ضَجَّ الزَّئيرُ وثعْلَبَ الضِّرْغامُ

بدويّة لولا تأرُّجُ طيبِها ... ما طابَ شِيخٌ بالفَلا وثُمامُ

عَرَضَ الفِراقُ على الفريق جمالَها ... ما كلُّ ما عَرَضَ الغَيورُ يُسام

ولربّما غَرَّ الجَهولَ جبينُها الْ ... وضَّاحُ ثم وثغرُها البسّام

والسيفُ مُبْتَسِمُ الفِرَنْد وعنده ... حَدٌّ تُجَذُّ به الطُّلى والهامُ

يا صاحِبَيَّ ذَرا المَلامَ فقلّما ... يَثْنِي عن القَصدِ الجَموحِ لِجامُ

ولربّما سَكَنَتْ صَبابَةُ مُدْنِفٍ ... يَأْسَاً فحرَّكَها عليه مَلامُ

مَن لي بتَسْكين الفؤادِ إذا خَفا ... بَرْقٌ وناح معَ العَشِيِّ حَمامُ

كُفّا فكلُّ لَذاذةٍ لرِضاعِها ... حَتْمَاً من الدهر الخَؤونِ فِطامُ

ومُنَعَّمٍ لا وَصْلُه في يَقْظَةٍ ... يُرْجى ولا تسخو به الأحلامُ

في وَجْنَتَيْه ومُقْلتيْه وريقِه ... وَرْدٌ يشوقُ ونَرْجِسٌ ومُدامُ

البدرُ وجهٌ والأَقاحي مَبْسِمٌ ... والدِّعْصُ رِدْفٌ والقضيبُ قَوامُ

مِن سَيْفِ ناظرِه وصَعْدَة قَدِّهِ ... يَتَعَلَّمُ الخَطِّيُّ والصَّمْصامُ

ضَلَّ الأنامُ به فلم يَرَ بعدَه ... إبليسُ أنْ لا تُعْبد الأصنامُ

ولقد خَشِيتُ فُتونَه فأجارني ... عَزْمٌ يَفُلُّ الخَطْبَ وهو حُسامُ

ومنها في المدح:

قد قلتُ للمُتَكَلِّفين لِحاقَه ... كُفُّوا فما كلُّ البحور يُعامُ

غَلَّسْتَ في طُرُقِ الرَّشادِ وهَجَّروا ... وسَهِرْتَ في طلبِ المَعادِ وناموا

هيهاتَ أينَ من النعائم مَذْهَباً ... ومقاصداً ما تقصِد الأنعامُ

والبيتان اللذان سبق ذكرهما وما أعدتهما. وراوية هذه القصيدة علي مَحْمُويه اليَزديّ شيخي سمعت عليه الحديث ولي منه إجازة فيجوز أن أرويها عنه إجازة.

<<  <  ج: ص:  >  >>