للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن القاسم الشهرزوري، سبق ذكر واله وشعره، وجلَّ أمر هذا وكبر قدره، وأقام في آخر عمره بدمشق قاضياً وواليا ومتحكماً ومتصرفاً، وهو ذو فضائل كثيرة، وفواضل خطيرة، وله نوادر مطبوعة، ومآثر مجموعة، ومفاخر مأثورة، ومقامات مشكورة مشهورةً، وله نظم قليل على سبيل التَّظرُّف والتَّطرُّف، فما أنشدني لنفسه في العلم الشاتاني وقد وصل إلى دمشق في البرد:

ولما رأيت البردَ أَلقى جِرانَهُ ... وخيَّم في أرضِ الشَّآم وطنَّبا

تبيَّنتُ منه قَفْلَةً عَلَمِيَّةً ... تردُّ شباب الدهر بالبَرْد أشيبا

وقوله:

وجاءوا عِشاءً يُهرَعون وقد بدا ... بجسميَ من داءِ الصبابة ألوان

فقال وكُلٌّ مُعظِمٌ ما رأى: ... أصابتك عينٌ؟ قلت: إنّ وأجفانُ

وقوله وأنشدنيه لنفسه بدمشق في ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وخمسمائة:

قلتُ له إذا رآه حَيّاً ... ولامه واعتدى جِدالا

خَفِيَ نُحولاً عن المنايا ... أَعرض عن حجَّتي وقالا:

الطيف كيف اهتدى إليه ... قلتُ: خَيالٌ أَتى خَيالا

ولي في كمال الدين قصائد، فإنَّني لمّا وصلت إلى دمشق في سنة اثنتين وستين سعى لي بكلِّ نَجْح وفتح عليَّ باب كلِّ منح، وهو يُنشدني كثيراً من منظوماته ومقطوعاته، فما أَثبتُّه من شعره قوله:

قد كنتَ عُدَّتِيَ التي أسطو بها ... يوماً إذا ضاقتْ عليَّ مذاهبي

والآن قد لوَّيْتَ عني مُعرضاً ... هذا الصدود نقيض صدّ العاتب

وأرى الليالي قد عبثْنَ بصَعدَتي ... فحَنَيْنها وأَلَنَّ منّي جانبي

وتركتَ شِلوي لليدين فريسةً ... لا يستطيع يردّ كفّ الكاسب

وقوله:

ولي كتائب أَنفاسٍ أُجهِّزُها ... إلى جنابكَ إلاّ أنَّها كتبُ

ولي أحاديث من نفسي أُسَرُّ بها ... إذا ذكرتك إلاّ أنَّها كِذبُ

ولكمال الدين الشهرزوري أيضاً:

أَنيخا جِمالي بأبوابها ... وحطّا بها بين خُطَّابها

وقُولا لخَمّارها لا تَبِعْ ... سِوايَ فإنِّيَ أَولى بها

وساوِمْ وخذْ فوقَ ما تشتهي ... وبادر إليَّ بأكوابها

فإنّا أُناس تسومُ المُدا ... مَ بأموالها وبألبابها

وقوله:

ولو سلَّمَتْ ليلى غَداةَ لَقِيتُها ... بسفح اللِّوى كادت لها النفس تخشع

ولكنَّ حزمي ما علمتُ ولُوثةُ ال ... بداوَةِ تأبى أن ألين وتمنع

ولست امرءاً يشكو إليك صبابةً ... ولا مقلةً إنسانُها الدَّهرَ يَدمَعُ

ولكنني أطوي الضُّلوعَ على الجَوى ... ولو أَنَّها مِمّا بها تتقطَّع

وقوله: سَنّنّا الجاشِريَّةَ للبرايا ... وعلَّمناهمُ الرِّطْلَ الكبيرا

وأكبَبْنا نَعَبُّ على البواطي ... وعطَّلنا الإدراة والمديرا

وقوله:

رأى الصَّمصام مُنصلتاً فطاشا ... فلمّا أن فرى وَدجيه عاشا

وآنس من جناب الطّور ناراً ... فلابسَها وصار لها فَراشا

وأنشدني كمال الدين لنفسه بدمشق في ثالث ربيع الأول سنة إحدى وسبعين:

ولقد أَتيتكِ والنُّجوم رواصدٌ ... والفجرُ وهمٌ في ضمير المَشرق

وركبت مِ الأَهوالِ كلَّ عظيمةٍ ... شوقاً إليك لعلَّنا أن نلتقي

قوله: والفجر وهمٌ في ضمير المَشرق، في غاية الحسن مما سمح به الخاطر اتِّفاقا، وفاق الكمال إشرافاً وإشراقا، وتذكَّر قول أبي يعلى ابن الهبّاريّة الشريف في معنى الصبح وإبطائه:

كم ليلةٍ بِتُّ مَطوِيّاً على حُرَقٍ ... أشكو إلى النَّجم حتى كاد يشكوني

والصبح قد مطل الشرقُ العيونَ به ... كأَنّه حاجةٌ في كفّ مسكين

يقع لي أنه لو قال: كأنّه حاجةٌ تُقضى لمسكينِ، لكان أحسن فإنَّها تمطل بقضائها. وشبَّهه كمال الدين بالوهم في ضمير المشرق وكلاهما أحسن وأجاد. وله يعرِّض بنقيب العلويين:

<<  <  ج: ص:  >  >>