كأنّي إذا ما نهيتُ الجفونَ ... عن الدّمع بالدّمع أغريتُها
فلو أنّني أستمدّ البحورَ ... دموعاً لعينيَ أفنيتُها
ولو كان للنّفسِ غيرُ السّلوّ ... عنكِ دواءٌ لداويتُها
وأخبرنا الشيخ أبو الحسن عليّ بن أحمد بن الحسين بن اليزْدي فيما أجازه لنا، قال: أنشدني أبو الجوائز:
سرّ هوىً لم يذِعِ ... لولا وُشاةُ أدمُعي
ينشُرن من داءِ الغرا ... مِ ما طوته أضلُعي
قالوا جزِعْتَ والفِرا ... قُ آمري بالجزَعِ
حتى استسرّ آفِلاً ... كلّ منيرِ المطلَعِ
أنجدَتِ الدارُ بهم ... وأتهمَ الوجْدُ معي
لم يكُ عهدي بالحِمى ... أوّلَ عهدٍ ما رُعي
ولا وقوفي سئلاً ... ذاتَ خشوعٍ لا تعي
كم شفَع الوجدُ بها ... من أنّةٍ بمصرعي
لا رام قلبي سَلوةً ... عن ريم ذاك الأجرَعِ
ولا أصاخَ سامعاً ... للعذْلِ فيه مسمعي
لهفي على رُضابِه ... والبرَدِ الممتِّعِ
لهفَ العطاشِ حُوّماً ... على بَرودِ المشرَعِ
يا ليتَ إيماضَ البُرَيْ ... قِ عن يمين لَعْلَعِ
لما بدا اختلاسُه ... لناظري لم يلمَعِ
فلم أشِمْ وميضَهُ ... لمّا أقضّ مضجَعي
وساجعٍ لولا اغترا ... بُ إلفِه لم يسْجَعِ
يدعو فيستدعي الهوى ... لكلّ قلبٍ موجَعِ
وله في غلام أمرد، مجروح الخدّ، وأحسن:
وأغيدٍ تخجلُ شمسُ الضُحى ... من وجهه والغصنُ من قدّهِ
جرّد سيفَ اللّحظِ من جفْنه ... فعادَ بالجرحِ على خدّه
وله في العِذار، وأغرب:
وكأنّ خيطَ عِذارهِ لما بدا ... خيطٌ من الظّلماء فوقَ صباحِ
وكأنّ نملاً قيّدت خُطُواتِه ... في عارضيْهِ فدبّ في الأرواح
هذا في رقّة الماء الزُلال، ودقّة السحر الحلال.
وأنشدني أبو الفتح نصر الله بن أبي الفضل بن الخازن لمقدار بن المطاميري:
إنْ حالَ في الحبِّ عما كنتُ أعهدُه ... وباتَ يرقدُ ليلاً لست أرقدُهُ
فلا طويتُ الحشا إلا على حرَقٍ ... يبلى من الصّبرِ عنهُ ما أجدّدُهُ
يا عاذلي إنّ يومَ البيْن ضلّ هوى ... قلبي المُعنّى فقل لي أين أنشدُه
زار الخيالُ طَليحاً طالما أنِسَتْ ... جُفونُه بالكرى أو لانَ مرقدُه
ألاً به زائراً تُدنيه من جسدي ... ضمائري وخُفوقُ القلبِ يُبعدُه
وله في امرأة طويلة الذّوائب:
وفَينانةِ الفرْعِ فتّانةٍ ... تُطيلُ على الهجْرِ إقدامَها
تعجّبَ من مشيِها شعرُها ... فقبّلَ في المشي أقدامَها
وله:
لقد سلبَتْ عقلي الغداةَ وليتَها ... غديّةَ بانَ الحيُّ لم تستلبْ عقلي
أرى العذْلَ يحلو عندَ سمعي لذكرها ... وإن كان لا شيءٌ أمرّ من العذلِ
وله، وقد ألمّ فيم ببيتيْ ابن حيّوس:
قرائنُ لا فَضَّ الزمانُ اجتماعَها ... ولا اخلفتْ ما راعَ أمنَ الدُجى فجرُ
عُفاتُك والجدوى وقدرُك والعلى ... وعدلُك والدنيا ووجهُك والبِشرُ
وبيتا ابن حيّوس، هما:
ثمانيةٌ لم تفترقْ مُذْ جمعتَها ... ولا افترقتْ ما ذبّ عن ناظرٍ شفْرُ
يقينُك والتّقوى وجودُك والغِنى ... وهمّكَ والعليا وعزمُك والنّصرُ
وحكي عنه: أنّه كان واقفاً عند سيف الدولة صدَقة المزْيَدي، والقائد أبو عبد الله السِّنْبِسيّ يُنشده قصيدته التي منها:
فعُدنا وقد روّى السلامُ قلوبَنا ... ولم يجرِ منا في خروقِ المسامعِ
ولم يعلَمِ الواشونَ ما كان بيننا ... من السرِّ لولا ضجرةٌ في المدامعِ