وأنشدني أبو المعالي الكتبي، قال: ذكر ابن الفضل أنّه كتب الشيخ أبو محمد بنُ حِكّينا الى ابن التّلميذ، وأراد أن يصالحه بعد خصومة، أبياتاً، منها هذا البيت:
وإذا شئتَ أن تُصالحَ بَشّا ... رَ بنَ بُردٍ فاطرَحْ عليه أباهُ
يقال: إطرح فلاناً عليه، حتى يصالحك. فما ألطفَ طلبَه منه بُرداً بهذا البيت المطبوع! وأنشدني له هذا البيت، وهو حسن:
إرضَ لمن غابَ عنك غيبته ... فذاك ذنبٌ عِقابُه فيهِ
وأنشدني له أيضاً:
قسا ثمّ أجرى عبْرَني فكأنّني ... على فقدهِ الخنساءُ تبكي على صخْرِ
وله في أنوشَرْوان الوزير:
سألوني منْ أعظمُ الناسِ قدراً ... قلت مولاهمُ أنوشَرْوان
لست أحوي صفاتِه غيرَ أنّي ... ما رأيتُ الإعسارَ منذُ رآني
وإذا أظهر التّواضُع فينا ... فهو من آيةِ الرّفيعِ الشّانِ
ومتى لاحِ النّجومُ على صف ... حةِ ماءٍ فما النّجومُ دَواني
وله:
ما بالُ أشعاري وقد ضُمّنت ... مدحَكُمُ ترجِعُ بالدّلْقِ
ما فيكُمُ بخلٌ وما بي غنىً ... عن نائلٍ والنّجْحُ في الصّدقِ
ولست أستبطي ولكنّني ... ينقطعُ الغيثُ فأستسقي
وله في أمين الدولة أبي الحسن بن صاعد الطّبيب، ويعرف بابن التّلميذ، وقد نفّذ له شيئاً، وكان مريضاً:
جاد واستنقذ المريضَ وقد كا ... د ضنىً أن يلُفّ ساقاً بساقِ
والذي يدفَعُ المَنونَ عن النّفْ ... سِ جديرٌ بقسمة الأرزاقِ
وله:
ويكتبُ بالبيضِ الصّوارمِ أسطُراً ... على أوجُهِ الفرسان تنقُطُها السُمْرُ
وينظِمُهُم في الرُمحِ نظماً وإنّما ... رؤوسُهُمُ من بعدِ نظمِهِمُ نثرُ
وله:
لو كنتَ أعلمتَني بهجرك لي ... لبِستُ من قبلِ صدِّك العُدَدا
عيناك ترمي قلبي بأسهُمها ... فما لخدّيك تلبَسُ الزّرَدا
ريقتُهُ الشُهْدُ والدّليلُ على ... ذلك نملٌ في خدِّهِ صعِدا
وله في العِذار:
لا تقولوا من بعد عا ... رضه قد تغيّرا
إنّما الحسن حين م ... رّ به الحِبّ مسفرا
رامَ تبخيرَهُ فذ ... رّ على الجمرِ عنبرا
وله في المدح:
أتاني بنو الحاجاتِ من كلّ وجهةٍ ... يقولون لي أينَ الموفَّقُ قاعدُ
فقلتُ لهم فوقَ المجرّة دارُه ... ولكنّني فارقتُه وهْو صاعدُ
فإن شئتُمُ ألا تضِلّوا فيمّموا ... الى حيثُ سارت بالثّناء القصائدُ
وله في تأبين ميت:
ومنتقلٍ بالإثمِ أرساهُ جُرمُه ... فلم يقدِروا من ثِقلِه أن يُقلّوه
رأى أهلُه إبعادَه مَغْنماً لهم ... وكان كثيراً عندَهم فاستقلّوه
ولم يسمعِ الحفّارُ ساعةَ دفنِه ... وتوسيدِه إلا خُذوه فغُلّوه
وله في البخل:
لمّا فشا البخلُ وصار النّدى ... ولا رغيفٌ كلّ أسبوعِ
سرت مصاريعُ هجائي الى ... منْ خبزُه خلفَ المصاريع
فقطّعتْ بالذّمّ أعراضَهُ ... وفرّقتْها في المجاميع
وكتبت من الأجلّ شمس الدين وله سديد الدولة بن الأنباري قصيدة لابن حِكّينا بخطّه، في والده. وهي:
أدِرْها مدعدعة يا نديمي ... بماءِ الكرومِ وبين الكُرومِ
وكن أرفقَ الناس تحت الظلا ... مِ ببزْلِ الدّنان وفضّ الختومِ
الى أن تُريكَ طلوعَ الصّبا ... حِ في حبَب كانقضاض النّجومِ
ووكّلْ مصابيحَها الزاهراتِ ... بإحراقِ شيطانِ همّي الرّجيمِ
وخُذْها على أنها لُقطةٌ ... إذا اشتُريتْ بدُخولِ الجحيمِ
هي الرّوح أو مثلُها في القيا ... س مخلوقةٌ لقوام الجسوم
ومن بعض أفعالِها في النّفو ... سِ عَوْدُ السّرورِ ونفيُ الهمومِ