للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما زف المولى هدي هداياه إلى كفؤها الكافي عنده صف إماءها أمامها على مثالها، فيا له غرساً ما تم به إلا للمتحترش الحاسد مأتمٌ، وأنساً ما تم منه إلا للمستوحش الجاحد مأثمٌ. وقد غني بالغانية عن وصف وصائفها ولهاً ولها، وعني بمعانيها الرائقة الرائعة ولم ينظر لنضارها شبهاً شبهاً، وإذ أفردها فضلها على فرائد فضلاء المشرقين والمغربين أبصر وسمع لساني العرب والعجم بتفضيل جميلها على تفصيل جملتها معجمين معربين. وأما المغاربة فعلى مشارع المشارقة مغار حبلها، ومن مشاربها معار خيلها، ومن مغانمها مغارمها، ومن صرائمها صوارمها، وحسبها أن الغزالة الراتعة في رياض الفلك، الكارعة ف حياض الملك، إذا وصلت إلى وردها توردت بالشفق، واصفرت للفراق من الفرق، وأصابت عينها عين العين الحامية، وعانقتها يد العنقاء المغرب العادية، ووقعت في قبضة طفل الطفل كالعصفور، وقضت هنالك نحبها ومعادها من المشرق غداة يوم النشور. إن الله يأتي بالشمس من المشرق حجةً بالغةً ومحجةً واضحةً للمحق المحقق، فإن تعلق المغربيون بأذيال أسمال الأنوار آخراً، فالمشرقيون اجتابوا حللها القشب أولاً، وإن تسلقوا على أسوار أسآرها فالعراقيون فتحوها معقلاً معقلاً، ولا لوم على العراق العراقي إذا استلأم ليحمي بحميته حماه، ويغار حين يغار على علاه. أما مصر فهي الآن عراقية الدولة، عباسية الدعوة، يوسفية العزة، فاضلية الحوزة، ناصرية النصرة، عادلية الحظوة، صلاحية السيرة، سيفية الهزة. فالفضل لها في عصرنا لا قبله، وفخرها فاضلها الذي ما رأى الزمان مثله، وهو معتق عبده، ومسترق حمده، وناعشه من عثار الجد، ورائشه بدثار المجد، فالخادم عراقي المنشأ والمربى، مصري المنحى والملجا، ناصري العلاء فاضلي الولاء. وأما الشام فلا يذكر ولا يشكر، وكيف يعرف ولا ينكر، ومعروف حلبة حلبه ذات المنكر. وقد دل نص الكتاب الكريم الواصل من المولى على أن سيآتها كثيرة، ولكنها لحسنات سلطانها مغفورة:

قد طال دَنِّي لكم فطوِّلْ ... طَوْلاً بجاهي العريضِ كُمِّي

أصبحتُ في مصرَ ذا رجاءٍ ... إلى النَّدَى الجمِّ منك جَمِّ

أصابَ قَصْدي وتمَّ أَسْري ... وبان نُجْحي وفازَ أَمِّي

وإنني قد وجدتُ وَجْدي ... منك كما قد عَدِمْتُ عُدْمِي

نعشتني من عثارِ دهري ... فخِرْتَ حَمْدي وحازَ ذَمِّي

ومنها:

نتيجةُ النجح منك تقضي ... أنَّ المواعيدَ غيرُ عُقْمِ

ومنها:

قضاءُ دَيني ونيلُ سُولي ... وحفظُ جاهي وجريُ رسمي

وضَيْعَةٌ لا يضيع فيها ... عَزْمي كما لا يفوتُ غُنْمي

وحرمةٌ تستنيرُ منها ... سعودُ قدري في أُفْقِ عُظْمِ

يممتُ يَمّاً ولستُ أَرضى ... تيمماً في جَنَابِ يَمِّ

لِمْ أَمَلى لَمْ يُزَنْ بنجح ... لِمْ شَعَثْي لَمْ يُعَنْ بِلَمِّ

رُمْ رَمَّ أَمري وحلِّ حالي ... ما كَرَمٌ في الورى كَرَمِّي

رُثَّ رجائي بكل طرز ... وعُثَّ جاهي بغير سُحْمِ

مضارعُ الفعل حظُّ فضلي ... وعائقُ الصرفِ حرفُ جَزْم

ناهيكَ من مُخْوِلٍ مُعِمّ ... يحنو على المُخول المُعم

كل عدوٍ شَنَاكَ يَلْقَى ... في الناسِ طَمْسَ اسمه كَطَسْمِ

شَمْلُ العِدَا والعروضُ منهم ... ما بين شتٍ وبين شَتْم

ونلتَ عزّاً بغير صَرْفٍ ... ووصلَ مُلْكٍ بغير صَرْمِ

تَمَلَّهَأ فهي بكرُ فكري ... شهيةٌ من نتاجِ شَهْم

حدوت عِيسِي بها فجاءَتْ ... شقشقةً من هديرِ قَرْم

ومنها:

لي خاطرٌ مُجْبِلٌ، لهمِّي، ... فَنَحْتُهُ من صَفاً أَصمِّ

أَقْدَمَ رَغْباً فجابَ رُغْباً ... لقدرِ فخرٍ لديك فَخْم

إليكَ يا كعبةَ المعالي ... حَجَّ حجاهُ بلُطْفِ حَجْم

أَجْرِ على الوهمِ عُظْم شاني ... واجبرْ على الوَهْنِ عظْمَ نَظْمي

<<  <  ج: ص:  >  >>