للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى استجاشَ على نَجَاشيِّ الدُّجى ... من قيصريِّ السُّدْفَةِ الإِسْفَارُ

وأتى بزي الترك يَرْفُلُ في قَبَا ... والشهبُ حول جيوبه أَزْرَارُ

ومنها:

هذا هو الخبرُ اليقينُ فإن تُرِدْ ... عِلْماً فعند جُهَيْنَةَ الأَخبارُ

وكان الممدوح قد أوقع بعرب الصعيد ومن جملتهم جهينة.

ولما وصلت إلى القاهرة سنة اثنتين وسبعين دخلت إلى القاضي الفاضل يوماً وعنده للبليغ السخاوي قصيدة قد مدحه بها في جمادى الأولى وهي جامعة للإحسان فتأملتها، وهي:

أَغْضَى وأَذْعَنَ حين عَنَّ الرَّبْرَبُ ... حتى تَصَيَّدَهُ الغزالُ الأَشْنَبُ

فطوى حشاه على جَوَى جَمْرِ الغَضَا ... مما جنى من جمرةٍ تتلهَّبُ

وصَبَا فأشْرَاه الغرامُ وذاده ... عن وِرْدِه وهو الهزبرُ الأَغْلَبُ

وصبتْ إِليه من الصبابة لوعةٌ ... تُغْرِي بكلِّ مُحَرَّبٍ لا يُغْلَبُ

وهي التي ما زال يجنى حُلْوَهَا ... من مُرِّها فعذابُها مُسْتَعْذَبُ

ويمدها من كل أَحْوَى أَحْوَرٍ ... ما منه يرتاع الكميُّ المُحْرَبُ

إِني على أَنِّي الأبيُّ فؤادُهُ ... فالرعبُ مما ليس منه يَقْرُبُ

أدنو وأشجع إذ دَنَتْ أُسْدُ الشرى ... وتعنُّ لي العِينُ الحسان فأَرْهَب

وأَميلُ من خجل إِلى وجلٍ به ... أُضْنَى فذا يكسو وهذا يَسْلُبُ

وأهابُ من أهوى فأستجدِي كما ... اسْتَجْدَى لفضلِ الفاضلِ المُسْتَصْعِبُ

المستبدُّ بكل فضلٍ فضلُهُ ... فجنابه المأمولُ أخضرُ مُخْصِبُ

والمسترقُّ حرائرَ الشِّيَمِ التي ... أبداً تُصَانُ عن الأَنام وتُحْجَبُ

مُتَحَسَّدٌ من لفظهِ وبلاغةٍ ... طَفِقَتْ بأبكار المعاني تَثْعَبُ

كالنارِ إلا أنها لا تنطفي ... والبحر إلا أنه لا يَنْضَبُ

وعليه من نورِ السكينةِ حُلَّةٌ ... وَثِقَ الزمانُ بأَنَّها لا تُسْلَبُ

يَسِمُ اليراعة بالبراعةِ وَسْمَةً ... عند الخطوب وحين يُعْرِرُ يُغْرِبُ

ويقولُ إلا أنه القولُ الذي ... أَعيا وأعجزَ فَهْوَ لا يُتَعَقَّبُ

أَضحى على سحبانَ يسحَبُ ذيلَهُ ... تيهاً وعن إعراب يَعْرُبَ يُعرِبُ

وحسامهُ القلمُ الذي لم يُمْضِهِ ... إلا وذلَّ له الحسام المِقْضَب

عارٍ وليس بمُحْرِمٍ، ومُنَطَّقٌ ... تلقاه وَهْو أصمُّ أبكمُ يَخطُبُ

يَقْرِي بريقته المنايا والمنى ... أبداً ويُرْضِي إذ يُهَزُّ ويُغْضِبُ

كالحية النضناضِ إلا أنه ... يَسْعَى فيُرْجَى حيث كانَ ويُرْهَب

وتراه يصمتُ حين يُرجى راجلاً ... أيداً وينطق راكباً إذ يَشْرَبُ

ويظلُّ ينظرُ من ظلامٍ في ضُحىً ... فكأنما لحظُ النهار الغيْهَبُ

واشٍ بمكنون الضمير وعلمُهُ ... عنه وعن فِطَنِ الأنام مُغَيَّبُ

فإذا وَشَى وشَّى المهارقَ أحرفاً ... هن الرياض أصابهن الصَّيِّب

ومنها:

وإِذا الكرام الكاتبون تصفحُّوا ... صفحاتهِ كُتِبَتْ رَضُوا ما يكْتُبُ

وتشرَّفَ الخطُّ الأَصيلُ بأنَّهُ ... يُعْزَى إِلى عبد الرحيم ويُنْسَبُ

فلذاك سالَمَهُ الزمانُ ولم يكن ... إلا على أحكامه يتقلَّبُ

وتقاصرت هممُ الرجالِ عن الذي ... لم يرضَ مركبَه وعما يَرْكَبُ

وعَنَتْ له الدنيا ودانت وهْيَ إذْ ... مَلأَتْ يَدَيْهِ بعضُ ما يَسْتَوْجِبُ

وذكرها جميعها وهي طويلة.

قال: وسمعت الملك الناصر يثني على بلاغته، وبديهته في براعته، وأنه سمي بليغاً لنثره الذي هو أحسن من شعره. وتوفي فجأة وجد ميتاً في فراشه في منزله في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>