على نحره يَطْفُو على الماء جوهرٌ ... وفي خَدِّهِ تَسْعَى على النار عَقْرَبُ
إذا غَرَبَتْ في فيه شمسُ مُدَامَةٍ ... فمشرقها من خدِّه حين تغرب
بروضٍ بديعِ الحسن أَمَّا شقيقُهُ ... فخدٌّ وأما الأُقحوانُ فأَشْنَبُ
سَمَاءُ كَلاً للماءِ فيه مَجَرَّةٌ ... وللوردِ شَمْسٌ والشقائقِ كوكبُ
كأَنَّ غصونَ الأيْكِ عادت منابراً ... بها وكأنَّ الطيرَ فيهنَّ تخطبُ
وغنَّتْ على الأوراقِ وُرْقٌ كأنها ... قيانٌ بأوتارِ المعازفِ تضرب
بليلٍ من البدرِ المنير مفضَّصٍ ... يُنَاطُ به شمسٌ من الصُّبْحِ مذهب
تعسَّفْتُهُ لمَّا تَنَصَّلَ بالضحى ... عن الصبح فَوْدٌ بالظلام مُخَضَّبُ
وهجَّرتِ الرمضاءُ والآلُ مائحٌ ... كأَنَّ على أَمْواجها العيسَ مَرْكَبُ
وقد زَجَلَتْ جنُّ الفلاة بمهمهٍ ... إذا جئتَ منها سبسباً عَنَّ سَبْسَبُ
إلى ذروةِ النورِ العَلائِيِّ إِنَّهُ ... إلى ذروة النُّورِ الإِلهِيِّ يُنْسَب
وأنشدني له من قصيدة أولها:
متى يشتفي المشتاقُ من لوعةِ الأسى ... ودائي دوائي، والأَسَى مَعْدِنُ الأَسَا
ومنها:
غزالٌ كحيلُ الطرف أَحوى مُفَلَّجٌ ... تَدَرَّعَ جلبابَ الملاحةِ واكتسى
ويتلو كتابَ السحرِ من لَحَظَاتِهِ ... كأنَّ لدين السحرِ فيها مُدَرِّسَا
ومنها:
ألا فاتَّخِذْ تلك الرياضَ منازهاً ... فإن أميرَ الغيثِ فيهن عَرَّسَا
وكنْ بظباءٍ الإِنس صبّاً متيماً ... بأشنبَ معسلِ الثَّنِيَّاتِ أَلْعَسَا
له اسمٌ متى ما شئت كَشْفَ غيوبه ... كما يكشف الصبحُ المبلَّجُ حِنْدِسَا
مُدامٌ وحُورٌ ثُمَّ مِسْكٌ ودميةٌ ... فهذا اسم ظبيٍ جلَّ أَنْ يتقيَّسا
وأنشدني له في ولد نقيب العلويين بمصر الملقب بأنس الدولة وكان مقدماً على الشعراء لنسبه، وشعره نازل:
سَمَتْ بابن أُنْسِ الدَّولة الرتبُ التي ... تُطَاوِلُ قَرْنَ الشمسِ حتى تَطُولَهُ
يحاولُ قولَ الشعر غايةَ جُهْدِهِ ... وتأبى له أَعراقُهُ أَنْ يَقُولَهُ
وكم قائلٍ لمَّا ذكرتُ انتسابَه ... لآل رسولِ الله هاتِ دليلَهُ
فقلت لهم أَقْوَى دليلٍ أقمته ... عليه بأنَّ الشعر لا ينبغي لهُ
وأنشد أيضاً الأمير أسامة بن منقذ هذه الأبيات وقال: كنت في خدمة ابن عمه وهو ينشد هذه الأبيات، وأنشدني له في العذار بيتين أغرب في معناهما على الابتكار:
وكأنَّ العذار في حُمْرَةِ الخدِّ ... على حُسْنِ خَدِّكَ المنعوتِ
صولجانٌ من الزُّمُرُّدِ معطو ... فٌ على أُكْرَةٍ من الياقوت
ما أحسن هذين البتين، لولا أنه ذكر الخد في البيت الأول مرتين. أقول: الشريف الأخفش، بسماع شعره ميت الحس ينعش، وخلي القلب يدهش، فهو كالديباج المنقش، والبستان المعرش، مذهبه في التجنيس مذهب، ونظمه في سماء الفضل كوكب، واستثقالي بتكرير الخد في وصف العذار كما حكي عن ابن العميد أنه استثقل قول أبي تمام:
جوادٌ متى أمدحْهُ أَمْدَحْهُ والوَرَى ... معي ومَتى ما لُمْتُهُ لمته وَحدِي
فقال: تكرار أمدحه ثقل روح، وقابل المدح باللوم وكان يجب أن يقابل بالهجاء وهذا نظر دقيق.
ونقلت من بعض التعاليق، بدمشق من قصيدة للأخفش في عبد المجيد المنبوز بالحافظ بمصر:
ذَكَرَ الدوحَ بِشَاطِي بَرَدَى ... وحَباباً فيه يطفو بَرَدا
والصَّبَا تمرحُ في أرجائه ... فتصوغُ الموجَ منه زَرَدَا
يَتمنَّى القِرْنُ أن يلبسه ... بين أبطالِ الوغى لو جمدا
رَكَدَتْ سارحةُ الريح به ... فجرتْ خيلاً ومرَّتْ سَرَدا
ينثرُ البدرُ عليه فضةً ... وتذيبُ الشمسُ فيه عسجدا
رشأٌ لو لم تكن ريقتُهُ ... قهوةً صافية ما عَرْبَدا