أنا والله فعلت خيرا فعدمت جوازيه، وما أحمدت عوائده ومباديه، وزرعته فلم أحصد إلا شرا، ولا اجتنيت منه إلا ضرا، وهكذا جدي فما أصنع، وقد أبى لي القضاء إلا أن أفني عمري في بوس، ولا أنفك من نحوس. ويا ليت باقيه قد انصرم، وغائب الحمام قد قدم، وعسى أن تكون بعد الممات راحة من هذا النصب، وسلوة عن هذه الخطوب والنوب، ودع بنا هذا التشكي فالدهر ليس بمعتب من يجزع، ولا في الأيام رجاء ومطمع.
وله من فصل في تعزية: من أي الثنايا طلعت النوائب، وأي حمى رتعت فيه المصائب، فواها لحشاشة الفضل أرصدها الردى غوائله، وبقية الكرم جر عليها الدهر كلاكله، ويا حسرتا للجة المواهب كيف سجرت، ولشمس المعالي كيف كورت، ويالهفي على هضبة الحكم كيف زلزلت، وحدة الذكاء والفهم كيف فللت، فإنا لله وإنا إليه راجعون أخذا بوصاياه، وتسليما لقضاياه.
وله فصل: لئن كانت الأيام تنئيك، فالأماني تدنيك، ولئن كنت محجوبا عن الناظر، فإنك مصور في الخاطر، أناجيك بلسان الضمير، وأعاطيك سلاف السرور.
وله فصل في ذم كتاب: وردني لك كتاب خلته للطفه سماء، وتوهمته من خفته هباء، وفضضته عن أسطر فيها سواد، لم يتحصل منه مستفاد، فتعوذت برب ذلك الفلق، من شر ذلك الغسق.
وله: كنت عهدتك لا تمتنع من مداعبة من يداعبك، ولا تنقبض عن مراجعة من يخاطبك، فمن أين حدث هذا التعالي، وما سبب هذا التغالي، عرفني، - جعلت فداك -، ما الذي عداك، ولعلك رأيت الحضرة قد خلت من قاض فطمعت في القضاء وجعلت تأخذ نفسك بأهبته، وتترشح لرتبته، وأنت الآن لا شك تنفقه في الأحكام، وتتطلع شريعة الإسلام، وهبك تحليت بهذا السمت، وتأهبت وتهيأت لذلك الدست، ما تصنع في قصة السبت، دع عنك هذا التخلق وارجع إلى أخلاقك، وعد في إطراقك، وتجاهل، ما قبلك جاهل، وتحامق مع الحمقى وأنت عاقل، فلا تمنع لذة الاسترسال، ولا تبع الدنيا بخدمتك في سائر الأحوال، فما أشبه إدبارها بالإقبال، وكثرتها بالإقلال.
وله يستدعي خمرا: أوصافك العطرة، ومكارمك المشتهرة، تنشط سامعها من غير توطية، في اقتضاء ما عرض من أمنية، وللراح من قلبي محل لا تصل إليه سلوة، ولا تعترضه جفوة، إلا أن معينها قد جف، وقطينها قد خف، فما توجد للسباء، ولو بحشاشة الحوباء، فصلني منها بما يوازي قدري، ويقوم له شكري، فإن قدرك أرفع من أن تقتضي حقه زاخرات البحار، ولو سالت بذوب النضار، لا يصافنه العقار.
وله يستدعي إلى مجلس أنس: يومنا يوم قد تجهم محياه، ودمعت عيناه، وبرقعت شمسه الغيوم، ونثرت صباه لؤلؤه المنظوم، وملأ الخافقين دخان دجنه، وطبق بساط الأرض هملان جفنه، فأعرضنا عنه إلى مجلس وجهه كالصباح المسفر، وجلبابه كالرداء المحبر، وحليه يشرق في ترائبه، ونده يعبق في جوانبه، وطلائع أنواره تظهر، وكواكب إيناسه تزهر، وأباريقه تركع وتسجد، وأوتاره تنشد وتغرد، وبدوره تستحث أنجمها محيية، وتقبل أنملها مفدية، وسائر نغماتها خذ وهاتها، وأملها أن تحث خطاك، حتى يلوح سناك، ونشتفي بمرآك.
وله: ورد كتابك فنور ما كان بالإغباب داجيا، وحسن مشافها عنك ومناجيا، واسترد إلى الخلة بهاءها، وأجرى في صفحة الصلة ماءها، وعند شدة الظمأ يعذب الماء، وبعد مشقة السهر يطيب الاغفاء، ورأيت ما وعدت به من الزيارة فسرني سرورا بعث من إطرابي، وحسن لي دين التصابي، فارتحت كأنما أدار علي المدام مديرها، وجاوب المثاني والمثالث زيرها، ولا تسأل عن حالي استطلعتها فهي كاسفة بالي، كاشفة عن خبالي بصبح لاح من خلال ذؤابتي، وتنفس في ليل لمتي، فأدجى مطالع أعملي، وأراني مصارع آمالي.
وله فصل: يا ليت شعري كيف اتغير على بعضي، وأمنحه قطيعتي وبغضي.