توفي بفاس سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. وصفه بالاعتناء بعلوم الشريعة، واختصاصه برتبتها الرفعية، والانتباه للنباهة، والاتجاه للوجاهة، وكان كبير الشان، غزير البيان، وأورد من نثره رقعة ذكر أنه كتبها على يدي تحية للرئيس أبي عبد الرحمن ابن طاهر وهي: عمادي أبا نصر، مثنى الوزارة وحيد العصر، هل لك في منة تفوت الحصر، تخف محملا، وتبلغ أملا، وتشكر قولا وعملا، شكرا تترنم به الحداة ثقيلاً ورملا، إذا بلغت الحضرة مسلما، ولقيت الطاهر ابن الطاهر فخر الوزارة مسلما، وحللت من فنائه الأرحب حرما، ولمست بمصافحته ركن المجد يندي كرما، فقف شوقي بعرفات تلك المعارف، وأنسك شكري بمشاعر تلك العوارف، وأطف إكباري بكعبة ذلك الجلال سبعا، وبوئي لودادي في مقر ذاك الكمال ربعا، وأبلغ عني تلك الفضائل سلاما، يلتئم بصريح الحب التئاما، ويحسن عني بظهر الغيب مقاما، ويسير عني بارح الجد إنجادا وإتهاما.
وله إليه:
أبا النصر إن شدّوا رحالك للنوى ... فإن جميل الصبر عنك بها شدّوا
وإن تتركوا قلبي مقيما وترحلوا ... فماذا ترى في مهجة معكم تغدو
ومن شعره قوله:
عسى تعرف العلياء ذنبي إلى الدهر ... فأبدي له جهد اعترافي أو عذري
فقد حال ما بيني وبين أحبة ... ألفتهم إلف الخمائل للقطر
هم أودعوا قلبي تباريح لوعة ... بنانهم أذكى وأنكى من الجمر
على أن لي سلوى بأنّ فراقهم ... فإن طال لم يمزج بصد ولا هجر
سأفزع للريح الشمال لعلّني ... أحمّلها نجوى تلجلج في صدري
تبلغ منها للوزير تحية ... معطرة الأرجاء دائمة النشر
تظلله من حر كل هجيرة ... وتؤنسه في وحشة البلد القفر
وتنبئه أني أكنّ صبابة ... لحسن بدا في غير شعر ولا شعر
أهزّ بها عطفيّ من غير نشوة ... وأرخي بها ذيلا من التيه والكبر
وإني أشدو في النّوادي بذكره ... كما شدت الورقاء في الغصن النضر
أجل، وعساها أن تبلغ مهجتي ... فأبلي بها عذري وأقضي بها نذري
وله في زروع بينها شقائق النعمان:
أنظر إلى الزرع وخاماته ... تحكي وقد هبت عليها الرياح
كتيبة خضراء مهزومة ... شقائق النعمان فيها جراح
وله عند ارتحاله من قرطبة، أنشدني الفقيه اليسع بمصر قال أنشدني القاضي عياض لنفسه:
أقول وقد جدّ ارتحالي وغرّدت ... حداتي وزمًّت للفراق ركائبي
وقد غمضت من كثرة الدمع مقلتي ... وصارت هواء من فؤادي ترائبي
ولم تبق إلا وقفة يستحثها ... وداعيَ للأحباب لا للحبائب
رعى الله جيرانا بقرطبة العلى ... وجاد رباها بالعهاد السواكب
وحيَّا زمانا بينهم قد ألفته ... طليق المحيا مستلان الجوانب
أإخواننا بالله فيها تذكروا ... معاهد جار أو مودّة صاحب
غدوت بهم من برّهم واحتفائهم ... كأني في أهلي وبين أقاربي
وله في لزوم ما لا يلزم المتشابه:
إذا ما نشرت بساط انبساط ... فعنه فديتك فاطو المزاحا
فإنّ المزاح كما قد حكى ... أو لو العلم قبل عن العلم زاحا
أي بعد. قال صاحب قلائد العقيان: خرجنا لنزهة فلما انصرفنا أصاب غفارتي شوك شقّها فلما وصلت موضعي أمر ببعثها إليه فتأخرت وحضرت الجمعة فكتبت إليه معاتبا في توقفها: قد بقيت أعزك الله كالأسير، ولقيت التوحش بجناح كسير، إن أردت النهوض لم تنهض، وليت من لا يريش لم يهض، وقد غدوت من المقام، في مثل السقام، فلتأمر من يردها، لعلي أحضر الصلاة وأشهدها، لا زلت سريا، تطلق من يد الوحشة محبوسا بريا.
قال، فكتب في جوابه: