للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تزال الغرائب أيد الله الملك الأجل معرضة في متنزهاته، وتثور له في ثنيات متوجهاته، فتزيد الأنس انفساحا، وتورث النفس ارتياحا، فتنطلق من عقالها ويتدفق بحر مقالها، وخرجنا معه في لمة من جنوده، وأمة من عبيده، وهو يقتادهم بزمام اصطناعه، ويرتاد لهم أخصب بقاعه، ووجه الشمس أومض إيماضه، وأفاض من سناها ما أفاضه، واعلام الدولة قد حفوا بلوائه، وتألقوا بسمائه، كأنهم النجوم إشراقا، والدرر انتظاما واتساقا، فساروا يسمون صفحات البسيطة بحوافر الخيل، ويثيرون قتاما كقطع الليل، فبينما هم ينجدون ويتهمون، ويبحثون عن القنص في كل مكان يتوهمون، إذ سنح لهم في البسائط سائح، وارتاع من رجة الموكب آمن سارح، قد اتخذ العشب جحراً، وضم إلى ترائبه سحرا ونحراً، فمرق كالسهم يمرق من الفوق، ومر لا يستمسك بواضح طريق، فتارة يسلك مستبينا، وتارة لا يعرج شمالا ولا يمينا، وما زالت الجياد تباري استنانه، وذوات المخالب تحاكي روغانه، حتى عادت عليه الأرض قفصا، وساقته إلينا قنصا، فعلقته كف كائد، لا حبالة صائد، فأخذه صاغرا، وفم الحمام قد تعرض له فاغرا، فذكاه بشفرته، وقذف زاده في ثغرته، وما زلنا نستوفر عددها، ونقصر أمدها، حتى ملأت الحائق، وأتبعت الركائب، وأذكت الهاجرة شواظ لهيبها، ولوت الصبا عنان هبوبها، فملنا إلى حدائق امتد عليها من أوراقها رواق، وغازلتنا من أزهارها جفون وأحداق، فحططنا بساحتها، وانبسطنا في رحب سياحتها، ودارت بيننا راح، تلقيناها بالراح ولوعا، وحسبناها شمسا طلعت طلوعا، ومازلنا نديرها كبارا وصغارا، نجوم اتخذت الأفواه مغارا، إلى أن فني اليوم أو هم، وكاد وجهه أن يدلهم، فقمنا إلى صهوات الجياد، وما منا إلا من يميل كالغصن المياد، فصرنا وما نفرق بين البكر والأصائل، ولا ندري الأواخر من الأوائل، ويمن الملك الأجل يهدينا، ونوره يسعى بين أيدينا، فلا زالت ليالينا به مشرقة، وغصون أمانينا في جنابه مورقة، ما عبق زهر، وتدفق نهر.

ومن أخرى: أطال الله بقاء الوزير الأجل، عتادي الأسرى، وزنادي الأوري، وأيامه أعياد، وللسعد في زمانه انقياد، أما أنا أدام الله عزك فجوي عاتم، وأعيادي مآتم، وصبحي عشاء، وما لي إلا من الخطوب انتشاء، أبيت بين فؤاد قلق، وطرف مسهد، نائي المحل عن مزار العود، حيران لا أرى الروض المنور، ولا أحس سهيلا إذا ما لاح ثم غور، قد بعدت دار إليّص حبيبة، ودنت مني حوادث بأدناها تودي الشبيبة، وأي عيش لمن لزم المفاوز لا يريمها، حتى ألفه ريمها، قد رمته النوائب فما ابقى، وارتقت إليه الحوائج في وعر المرتقى، يواصل النوى ولا يهجر سيرا، ولا يزجر في الإراحة طيرا، قد هام بالوطن، هيام ابن طاب بالحوض والعطن، وحن إلى تلك البقاع، حنين أثلات القاع، ولا سبيل إلى تشعب صدع بينه مشاعب، أو تكلمه للدار أحجار وملاعب، وليس له إلى أن يجنح، ولا يرى أمله يسنح، قد طوى البلاد وتطرف الأرض وتوسطها ولم يلف مقيلا، ولا وجد مقيلا. إلى الله الشكوى لما أقاسي، وبيده الأقدام والنواصي، فإلى متى يعتري السعد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ومن أخرى:

سقى بلدا أمست سليمى تحله ... من المزن ما يروي به ويسيم

سقى الله ذلك الجانب الذي حواك، وخص منه بالوابل مثواك، حتى يخلع الربيع فيه سندسيات بروده، ويجمع في النضرة بين تهامته ونجوده، فإنه جناب حل فيه الذكاء والنبل، وقل لسقياه عندنا الوبل، ورعيا لأيامنا المعلمات الذيول، المعطلات عرفي الصبا والقبول، وقد نعمنا ببكرها وآصالها، وأمتعنا بتواليها واتصالها، فاليوم لم يبق منها إلا ذكره لها في الفؤاد صدع، وللعراك والسلوة ردع، وعساها تعود، فيورق عود.

وكتب عن أحد الرؤساء: أما بعد: فإن الأيدي قد امتدت، ودواعي التعدي قد اشتدت، وأموال الناس تنتهب، وزواجر كتاب الله لا ترهب، وأنت تنام عن كف هذا الانتهاب، وتلين في موضع السطوة والارهاب، وتعكف على الراح وروحاتها وتقف بين بكرها وروحاتها وقدماً أفسدت الراحة الأحوال، وجرت إلى أهلها الأهوال، فدعها فليس بأوانها، واكتف من صحيفة الشر بعنانها وأكثر الصولة، وأجدر أن يكون للمكروه عندك جولة، فلينب عن سوطك سيفك، حتى يرهب خيالك وطيفك.

ومن أخرى:

<<  <  ج: ص:  >  >>