للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجر الأحدي مثلاً بغير غنيمة مائة فإذا نسبنا ذلك باعتبار حديث عبد الله بن عمرو كان للبدري لكونه آخذاً للغنيمة مائتان، وهي ثلث الستمائة فيكون أكثر أجراً من الأحدي.

وإنما امتاز أهل بدر بذلك لكونها أول غزوة شهدها النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتال الكفار، وكانت مبدأ اشتهار الإسلام وقوة أهله, فكان لمن شهدها مثل أجر من شهد المغازي بعدها جميعاً، فصارت لا يوازيها شيء في الفضل. انتهى (١).

قلت: خلاصته أنّ أهل بدر خصصهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عموم حديث [ابن عمرو (٢)] وبقي إشكال ثالث ذكره الحافظ عن ابن دقيق (٣) فقال: إنما المشكل العمل المتصل بأخذ الغنائم، ولو كانت تنقص الأجر لما كان السلف الصالح يثابرون عليها.

ويمكن أن يجاب: بأن أخذها من جهة تقديم بعض المصالح الجزئية على بعض، لأنّ أخذ الغنائم أول ما شرع كان عوناً على الدين، وقوة لضعف المسلمين [٣٤ ب] وهي مصلحة عظمى يغتفر لها نقص بعض الأجر [١٥٠/ أ] من حيث هو.

قال الحافظ (٤): وذكر بعض المتأخرين للتعبير بثلثي الأجر في حديث ابن عمرو حكمة لطيفة بالغة: وذلك أن الله أعدّ للمجاهدين ثلاث كرامات دنيويتان وأخروية فالدنيويتان: السلامة والغنيمة، والأخروية: دخول الجنة فإذا رجع سالماً غانماً فقد حصل له ثلثا ما أعد الله له وبقي له عند الله الثلث، وإن رجع بغير غنيمة عوضّه عن ذلك ثواباً في مقابلة ما فاته، فكان معنى الحديث أن يقال للمجاهد: إذا فات عليك شيء من أمر الدنيا عوضك الله ثواباً، وأما الثواب المختص بالجهاد فهو حاصل للفريقين معاً.

قال (٥): وغاية ما فيه عد ما يتعلق النعمتين الدنيويتين أجراً بطريق المجاز. انتهى.


(١) انظره نصاً في "فتح الباري" (٦/ ٩).
(٢) في (أ) ابن عمر.
(٣) في "إحكام الأحكام" (ص ٩٦٥).
(٤) أي الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (٦/ ١٠).
(٥) أي الحافظ في "الفتح" (٦/ ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>