للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال البلقيني (١): ولا خلاف أن صدقة الفطر فرضت في السنة الثانية، وأما زكاة المال فلم يتعرض الحفاظ وأصحاب السنن للسنة التي فرضت فيها. انتهى.

قلت: وقول قيس: "فلم يأمرنا ولم ينهنا" ليس فيه دليل على شيء؛ لأنه قد أمر بها فلا يترك أمره إلا بقوله ونحوه، فالأصل بقاء الوجوب، فإن قوله: "أمرنا" دال على الوجوب؛ لأنه الأصل في الأمر. ونقل ابن المنذر (٢) وغيره الإجماع على أنها فرض. ونقل المالكية (٣) عن أشهب: أنها سنة مؤكدة. وهو قول بعض الظاهرية (٤)، وتأولوا قوله: "فرض" بمعنى قدر.

قال ابن دقيق العيد (٥): هو أصله في اللغة، لكن نقل في عرف الشرع إلى الوجوب، فالحمل عليه أولى.

[الباب الرابع: في عامل الزكاة وما يجب له عليه]

١ - وعن أبي حُمَيْدٍ الساعدي - رضي الله عنه - قال: اسْتَعْمَلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً عَلَى الصَّدَقَةِ، وفي رواية: عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ. فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِي لي. فَقَامَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المِنبَرِ فَحِمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُم قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلاَّنِي الله - عز وجل - فَيَأْتِي فَيَقُوُل: هَذَا لكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أفلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أوْ بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا؟ وَالله لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلاَّ لَقِيَ الله تَعَالَى يَحْمِلُهُ عَلَى


(١) انظر: "فتح الباري" (٣/ ٢٦٦).
(٢) في كتابه "الإجماع" (ص ٤٩ رقم ١٠٥).
(٣) "التسهيل" (٣/ ٧٦٩)، "عيون المجالس" (٢/ ٥٥٥).
(٤) في "المحلى" (٦/ ١١٨).
وقال النووي في "المجموع" (٦/ ٦١): حكى صاحب البيان وغيره عن ابن اللبان من أصحابنا أنها سنة وليست واجبة، قالوا: وهو قول الأصم وابن علية.
(٥) في "إحكام الأحكام" (٢/ ١٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>