للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: "في حديث أبي هريرة إياكم والحسد" تحذير من الاتصاف به، في "النهاية" (١): الحسد أن يرى الرجل [على أخيه] (٢) نعمة فيتمنَّى أن تزول عنه, وتكون له دونه، [والغبطة] (٣) أن يتمنى أن يكون له مثلها ولا يتمنَّى زوالها عنه. انتهى.

فالحديث تحذير عن ذلك فإن تمني زوال (٤) النعمة عمن أنعم الله عليه قبيح، بل الإنسان مأمور أن يرى لأخيه ما يرى لنفسه، وهو يحب دوام النعمة عليه فيجب عليه أن يحب لأخيه ذلك فكيف يحب زوال نعمته؟ وانتقالها إليه، بل يسأل الله [٢٩٨ ب] أن يديم نعمته على أخيه ويرزقه مثل ما رزقه.

قوله: "كما تأكل النار الحطب أو قال العشب" شك من الراوي أي: حسنات الحاسد يذهبها الحسد (٥) كما تذهب النار الحطب، وهذا من بديع الكلام، فإنه لما كان الحسد جمرة تلتهب في فؤاد الحاسد أكلت نار حسده حسناته، فلم يحصل من حسده إلا التهاب قلبه،


(١) النهاية في "غريب الحديث" (١/ ٣٧٤ - ٣٧٥).
(٢) كذا في المخطوط والذي في "النهاية": لأخيه.
(٣) كذا في المخطوط والذي في "النهاية" الغَبْط.
(٤) قال الغزالي في "الإحياء" (٣/ ١٩٢) وأمّا مراتب الحسد فأربع: الأولى: أن يحب زوال النعمة عنه وإن كان ذلك لا ينتقل إليه، وهذا غاية الخبث.
الثانية: أن يحب زوال النعمة إليه لرغبته في تلك النعمة، مثل رغبته في دار حسنة, أو امرأة جميلة ... وهو يحب أن تكون له، ومطلوبه تلك النعمة لا زوالها عنه.
الثالثة: أن لا يشتهي عينها لنفسه، بل يشتهي مثلها، فإن عجز عن مثلها أحب زوالها كيلا يظهر التفاوت بينهما.
الرابعة: أن يشتهي لنفسه مثلها، فإن لم تحصل فلا يحب زوالها عنه.
وهذا الأخير هو المعفو عنه إن كان في الدنيا، والمندوب إليه، إن كان في الدين.
(٥) انظر: "إحياء علوم الدين" (٣/ ١٩٢ - ١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>