للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٩/ ٣ - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: سمعتُ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ والدهِ, وولَدِه، والنَّاسِ أَجْمَعِينَ" أخرجه الشيخان (١) والنسائي (٢).

وفي أخرى للنسائي (٣) - رحمه الله -: "أَحَبَّ إِلَيْهِ مالِه وأهْلِه".

قوله: "وعنه": أي: عن أنس (٤)، وترجمه البخاري بباب حب الرسول من الإيمان.

قوله: "لا يؤمن أحدكم": المراد بالنفي نفي الكمال، ونفي اسم الشيء، بمعنى: نفي الكمال عنه مستفيض في كلامهم كقولهم: فلان ليس بإنسان، هكذا يقولونه، ولكن حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمدة الإيمان، فلا بد منه في نفس الإيمان، فيحتمل إن أحببته على كل ما ذكر ليست شرطاً في الإيمان فيفهم أنها لنفي الكمال.

وقوله: "أحب إليه": هو أفعل بمعنى: المفعول، وقال النحاة: إنه خلاف القياس والفصل بينه وبين مفعوله بقوله: "إليه" جائز، إنما يمتنع بالأجنبي.

وقوله: "من والده" قُدِم للأكثرية، لأن كل ولد له والد من غير عكس، وهل تدخل الأم في لفظ الوالد؟ إن أريد به من له الولد فيتم، أو يقال: اكتفى بأحدهما كما يكتفى بأحد الضدين عن الآخر، والمراد الأعز به كأنه قال: من أعزته.

وقد ثبت رواية بتقديم الولد على الوالد ولها وجه صحيح. قال الخطابي (٥): والمراد بالمحبة هنا حب الاختيار لا حب الطبع؛ لأن حب الإنسان نفسه طبع لا سبيل إلى قلبه،


(١) البخاري رقم (١٥) ومسلم رقم (٤٤).
(٢) في "سننه" رقم (٥٠١٣)، وهو حديث صحيح.
(٣) في "سننه" رقم (٥٠١٤)، وهو حديث صحيح.
(٤) انظر ترجمة أنس بن مالك في "الاستيعاب" (ص ٥٣/ ٥٤ رقم ٤٣).
(٥) ذكره الحافظ ابن حجر في "الفتح" (١/ ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>