للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا عرفت هذا فالأقرب والله أعلم في الجمع بين الأحاديث، أنه وقع منه - صلى الله عليه وسلم - الجهر بها تارة، والإخفاء تارة, والصلوات متكررة كل يوم، فكلٌ نقل ما سمع، وأن الأمرين جائزان، واقتصار الخلفاء على أحد الجائزين جائز لا ضير فيه, وبهذا جمع ابن القيم - رحمه الله - في "زاد المعاد" (١) بين الروايات: فقال ما لفظه: "وكان يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تارة ويخفيها أكثر مما [٤٥٢ ب] جهر بها، ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائماً في كل يوم خمس مرات أبدا، حضراً وسفراً، ويخفي ذلك على خلفائه الراشدين، وعلما جمهور أصحابه, وأهل بلده في الأعصار الفاضلة, هذا من أمحل المحال، حتى يحتاج إلى التشبث فيه بألفاظ مجملة, وأحاديث واهية، فصحيح تلك الأحاديث غير صريح، وصريحها غير صحيح. وهذا موضع يستدعى مجلداً ضخماً". انتهى كلامه.

قلت: إلا أن قوله: "خمس مرات" الأولى وثلاث مرات؛ لأن الكلام في الجهرية، وهي ثلاث صلوات في اليوم والليلة. وفي نسخة من "الهدي" ست مرات، وهي تناسب باعتبار الركعات الجهرية، ففي المغرب اثنتان ومثلهما في العشاء والفجر.

٤ - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا نَهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتفْتَحَ الْقِرَاءَة بِالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَلَمْ يَسْكُت". أخرجه مسلم (٢). [صحيح]

قوله في حديث أبي هريرة: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نهض في الركعة الثانية, استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولم يسكت" أقول: إنما ذكر الثانية؛ لأنه في الأولى كان يسكت ليدعو بدعاء [الاستفتاح] (٣) فقد يقال: إنه يقرأ التسمية سراً عقب دعاء الافتتاح، فصرح أنه في الثانية لا يسكت، بل يفتتح القراءة بالحمد لله، وافتتاحه بها دال على أنه لا يقرأ التسمية


(١) في "زاد المعاد" (١/ ١٩٩).
(٢) في "صحيحه" رقم (٥٩٩) وهو حديث صحيح.
(٣) في (أ): "الافتتاح".

<<  <  ج: ص:  >  >>