للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحُليمي (١): تصفيد الشياطين في شهر رمضان، يحتمل أن يكون المراد أيامه خاصة، وأراد الشياطين التي هي مسترقة السمع، ألا تراه قال: مردة الشياطين؛ لأنَّ شهر رمضان كان وقتاً لنزول القرآن إلى السماء الدنيا، وكانت الحراسة قد وقعت بالشهب، كما قال: {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (٧)} (٢)، فزيدوا التصفيد في شهر رمضان مبالغة في الحفظ، والله أعلم.

ويُحتمل أن تكون أيامه ولياليه، ومعناه: أنَّ الشياطين لا يخلصون فيه من إفساد الناس إلى ما يخلصون إليه في غيره؛ لاشتغال المسلمين بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن، وسائر العبادات. انتهى.

وقال القرطبي (٣) بعد حمله التصفيد على ظاهره: فإن قيل: فكيف ونحن نرى المعاصي والشرور واقعةً في رمضان كثيراً، فلو صفدت لم يقع ذلك.

فالجواب (٤): إنّها إنما تغل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه، وروعيت آدابه، والمصفد بعض الشياطين، وهم المردة، لا كلهم كما في بعض الروايات.

والمقصود: تغليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس، فإنَّ وقوع ذلك فيه أقل من غيره، أو لأنَّه لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شرٌّ، ولا معصية؛ لأنَّ لذلك أسباباً غير الشياطين، كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية.

قوله: "أخرجه الستة إلاَّ أبا داود".


(١) في كتاب "المنهاج في شعب الإيمان" للحُليمي (ت: ٤٠٣ هـ) (٢/ ٣٧٩).
(٢) سورة الصافات: الآية: (٧).
(٣) في "المفهم" (٣/ ١٣٦ - ١٣٧).
(٤) انظره مفصلاً في "المفهم" (٣/ ١٣٦ - ١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>