للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "أطعمه أهلك". قال ابن دقيق العيد (١): تباينت في هذه القصة المذاهب، فقيل: إنَّه دل على سقوط الكفارة بالإعسار المقارن لوجودها؛ لأنَّ الكفارة لا تصرف إلى النفس ولا إلى العيال، ولم يبين النبي - صلى الله عليه وسلم - استقرارها في ذمته إلى حين يساره وهو أحد قولي الشافعي (٢)، وبيان ذلك بصدقة الفطر حيث تسقط بالإعسار المقارن لسبب وجوبها، وهو هلال الفطر، لكن الفرق بينهما: أنَّ صدقة الفطر لها أمد تنتهي إليه، وكفارة الجماع لا أمد لها، فتستقر في الذمة، وليس في الخبر ما يدل على إسقاطها على العاجز، والجمهور (٣) قالوا: والذي أذن له فيه ليس على سبيل الكفارة، ثم اختلفوا فقال الزهري: هو خاص بهذا الرجل، وإليه مال إمام الحرمين وردّ بأنَّ الأصل عدم الخصوصية, قال الشيخ تقي الدين (٤): أقوى من ذلك أنْ يجعل الإعطاء لا على أنَّه من جهة الكفارة، بل من جهة التصدق عليه، وعلى أهله بتلك الصدقة، لما ظهر من حاجتهم.

وأمَّا الكفارة فلم تسقط بذلك، لكن استقرارها في ذمته مأخوذ من دليل آخر (٥).

قلت: وهذه الأقوال مبنية على أنَّه قد ثبت النص [٧٣ ب] أو الإجماع أنَّه لا يأكل الرجل، ولا أهله من كفارته، وإلاَّ فلو قيل: أنَّه دل الحديث على إجزائها في أكله وأكل أهله، ولا مانع عنه مع اعتباره أنَّه صدقة منه عليهم، ونفقة الرجل على أهله صدقة، فلا ينافي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فتصدق به".


(١) في "إحكام الأحكام" (٢/ ٢١٦ - ٢١٧).
(٢) انظر: "الأم" (٣/ ٢٥٠)، "المجموع شرح المهذب" (٦/ ٣٦٩).
(٣) انظر: "فتح الباري" (٤/ ١٧١)، "المغني" (٤/ ٣٨٥).
(٤) ذكره الحافظ في "الفتح" (٤/ ١٧٢).
(٥) قال الحافظ في "الفتح" (٤/ ١٧٢)، ولكن ليس استقرارها في ذمته مأخوذاً من هذا الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>