للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيهما: أنّ الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر، وأما الأول الذي دلت عليه الآية فبالنسبة إلى علم الله كأن يقال للملك مثلاً: إنّ عمر فلان مائة إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)} (١) فالمحو والإثبات بالنسبة إلى ما في علم الملك، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله، فلا محو فيه البتة، ويقال له القضاء (٢) المبرم، ويقال للأول: القضاء المعلق، والوجه الأول أليق بحديث الباب، فإنَّ الأثر ما يتبع الشيء، فإذا أخر حسن أن يحمل على الذكر الحسن بعد فقد المذكور.

قال الطيبي (٣): الوجه الأول أظهر وإليه يشير كلام صاحب الفائق (٤) قال: يجوز أن يكون المعنى: أنّ الله يُبقي أثر واصل رحمه في الدنيا طويلاً فلا يضمحل سريعاً كما يضمحل أثر قاطع الرحم، ولما أنشد أبو تمام (٥) قوله - في بعض المراثي -:

توفّيتِ الآمالُ بعد محمّدٍ ... وأصبح في شُغلٍ عن السَّفر السَّفْرُ

قال (٦) له أبو دلف: لم يمت من قيل فيه هذا الشعر.

ومن هذه المادة قول الخليل - عليه السلام -: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤)} (٧)


(١) سورة الرعد الآية: ٣٩.
(٢) انظر: "مجموع فتاوى" (١٤/ ٤٨٨ - ٤٩٢).
(٣) في "شرحه على مشكاة المصابيح" (٩/ ١٧٩).
(٤) "الفائق" للزمخشري (٣/ ٤٢٧).
(٥) يرثي محمد بن حميد الطوسي. انظر: "الديوان" (ص ٣٥٥).
(٦) ذكره الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٤١٦).
(٧) سورة الشعراء الآية: ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>