للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخذ من الحديث (١) الأول من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن شئت أذنت له ... " إلخ أنه لا يمتنع المدعو إذا امتنع الداعي من الإذن لبعض من صحبه، وهذا الحديث عارضه، فإنه لما لم يأذن الفارسي لعائشة لم يجبه - صلى الله عليه وسلم -.

وأجيب (٢) عنه: بأن الدعوة لم تكن لوليمة، وإنما صنع الفارسي طعاماً بقدر ما يكفي الواحد، فخشي إن أذن لعائشة أن لا يكفي النَّبي - صلى الله عليه وسلم -.

ويحتمل أن يكون الفرق: أن عائشة كانت حاضرة عند الدعوة، بخلاف الرجل الذي أتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الأول.

وأيضاً (٣): فالمستحب للداعي أن يدعو خواص المدعو معه كما فعل صاحب الغلام اللحام، بخلاف الفارسي، فلذلك امتنع من الإجابة إلا أن يدعوها، وخيّر الداعي في الرجل الذي طرأ.

أو علم حاجة عائشة، أو أحبَّ أن تأكل معه منه؛ لأنه كان موصوفاً بالجودة، ولم يعمل مثله في قصة اللَّحام (٤).


(١) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (١٣/ ٢٠٨)، "فتح الباري" (٩/ ٥٦١).
(٢) ذكره الحافظ في "الفتح" (٩/ ٥٦١).
(٣) ذكره الحافظ في "الفتح" (٩/ ٥٦١).
وقال النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (١٣/ ٢٠٩) وهي قضية أخرى فمحمول على أنه كان هناك عذر يمنع وجوب إجابة الدعوة, فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - مخيراً بين إجابته وتركها، فاختار أحد الجائزين وهو تركها إلا أن يأذن لعائشة معه لما كان من الجوع أو نحو، فكره - صلى الله عليه وسلم - الاختصاص بالطعام دونها، وهذا من جميل الماشرة وحقوق المصاحبة وآداب المجالسة المؤكدة، فلما أذن لها اختار النبي - صلى الله عليه وسلم - الجائز الآخر لتجدد المصلحة وحصول ما كان يريده من إكرام جليسة وإيفاء حق معاشرته فيما يحصل.
(٤) ذكره الحافظ في "الفتح" (٩/ ٥٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>